في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

28

ونعود بعد هذا الاستطراد إلى النص القرآني . فنجده - بعد تحديد القيم في أمر الدنيا والآخرة ؛ وتحقيق قوله تعالى : ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه )في صورة عملية في حياة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأهل بيته . . نجده بعد هذا البيان يأخذ في بيان الجزاء المدخر لأزواج النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وفيه خصوصية لهن وعليهن ، تناسب مقامهن الكريم ، ومكانهن من رسول الله المختار :

( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا . ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين ، وأعتدنا لها رزقا كريما ) . .

إنها تبعة المكان الكريم الذي هن فيه . وهن أزواج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهن أمهات المؤمنين . وهذه الصفة وتلك كلتاهما ترتبان عليهن واجبات ثقيلة ، وتعصمانهن كذلك من مقارفة الفاحشة . فإذا فرض وقارفت واحدة منهن فاحشة مبينة واضحة لا خفاء فيها ، كانت مستحقة لضعفين من العذاب . وذلك فرض يبين تبعة المكان الكريم الذي هن فيه . . ( وكان ذلك على الله يسيرا ) . . لا تمنعه ولا تصعبه مكانتهن من رسول الله المختار . كما قد يتبادر إلى الأذهان !

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا} (30)

قوله تعالى : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ( 30 ) * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا } .

( الفاحشة ) من الفحش وهو كل شيء جاوز الحد . وفحش الشيء فُحشا أي قَبُح قُبحا . وجمعها فواحش{[3734]} والمراد بالفاحشة هنا ، الكبيرة من الكبائر . وهي السيئة البليغة في القبح ؛ فإنه لما اختار نساء النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله واستقرّ أمرهن زوجات لشخصه الكريم ، أخبرهن الله بشأنهن المميز وبما لهن من خصيصة التكريم والإجلال أكثر من غيرهن من النساء المسلمات . فناسب بذلك إبلاغهن حكمهن بأن من يأت منهن فاحشة { بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } أي معصية ظاهرة ، كالنشوز والإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يشق عليه أو يحزنه أو غير ذلك من وجوه المساءات والمعاصي { يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } أي يعذبهن الله مثليْ عذاب غيرهن من النساء . وذلك لشرفهن وعظيم منزلتهن وفضلهن على سائر النساء .

قال القرطبي في هذا الصدد : إنه كلما تضاعفت الحرمات فهتِكت تضاعفت العقوبات ؛ ولذلك ضوعف حَدُّ الحرِّ على العبد ، والثيب على البكر . وقيل : لما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه ، قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن فضوعف لهن الأجر والعذاب . وقيل : إنما ذلك لعِظَم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

على أنه أراد بالضعفين المثلين أو المرتين . والضعف في كلام العرب المثل .

وضعف الشيء مثله . وضعفاه مثلاه . وأضعافه أمثاله{[3735]}

وهذا التضعيف في العذاب إنما يكون في الآخرة . وقيل : في الدنيا والآخرة .

قوله : { وكان ذلك على الله يسيرا } أي مضاعفة العذاب على التي تعصي الله من نساء النبي أمر يسير على الله . أو لا يعزّ على الله أن يضاعف العذاب للمسيئة منهن .


[3734]:المصباح المنير ج 2 ص 117 ومختار الصحاح ص 492
[3735]:مختار الصحاح ص 380