في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

39

استكباراً في الأرض ومكر السيىء ! . .

وإنه لقبيح بمن كانوا يقسمون هذه الأيمان المشددة أن يكون هذا مسلكهم : استكباراً في الأرض ومكر السيىء . والقرآن يكشفهم هذا الكشف ، ويسجل عليهم هذا المسلك . ثم يضيف إلى هذه المواجهة الأدبية المزرية بهم ، تهديد كل من يسلك هذا المسلك الزري :

ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله . .

فما يصيب مكرهم السيى ء أحداً إلا أنفسهم ؛ وهو يحيط بهم ويحيق ويحبط أعمالهم .

وإذا كان الأمر كذلك فماذا ينتظرون إذن ? إنهم لا ينتظرون إلا أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم ، وهو معروف لهم . وإلا أن تمضي سنة الله الثابتة في طريقها الذي لا يحيد :

( فلن تجد لسنة الله تبديلاً ، ولن تجد لسنة الله تحويلاً ) . .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

{ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ } { اسْتِكْبَارًا } مفعول له{[3881]} أي لم يزدهم مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم إلا نفورا { اسْتِكْبَارًا } أي علوا في الأرض وعتوّا عن أمر الله { وَمَكْرَ السَّيِّئِ } مكر ، منصوب على المصدر{[3882]} والمكر ههنا بمعنى الشرك . أي مكروا مكر السيئ وهو الكفر وصد الناس عن الإيمان . وبذلك قد مكروا بالناس بصدهم عن دين الله .

قوله : { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } يحيق بمعنى ينزل أو يحيط ؛ أي لا تنزل عاقبة الظلم إلا بالظالم نفسه . أو لا ينزل وبال المكر السيئ إلا بالذين يمكرونه . فلا يحل مكروه ذلك المكر إلا بهؤلاء المشركين الماكرين .

ويُفهم من ذلك التنبيه على مجانبة الخداع والمكر والخيانة . فإن هذا الدين قائم على طُهر السريرة من الأرجاس النفيسة كالغل والحسد والغدر والخديعة . فإن هذه خسائس ليست من أخلاق المؤمنين الذين التزموا الإسلام عقيدة ومنهاجا . بل إن تلكم من أخلاق الكافرين والمنافقين والمرائين والماكرين .

قوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ } المراد بسنة الله ، إنزال العقاب بالمكذبين المدبرين العصاة . وهذا تهديد من الله يتوعد به كل أمة تعرض عن صراطه المستقيم وتضل عاتية مستكبرة ، فإنه مصيبها من العقاب المدمِّر ما أصاب السابقين الجاحدين . وهو قوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ } أي هل ينتظر هؤلاء المشركين الجاحدون إلا أن يحيط بهم عذاب الله كما أحاط بالمكذبين من قبلهم .

وهذه سنة الله في العتاة العصاة الذين يخالفون عن أمره .

قوله : { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } أي جعل الله العقاب في المخالفين الجاحدين سنة مقدورة فيهم بسبب تكذيبهم وعصيانهم . وهي سنة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا } أي لا تحويل لسنة الله في عقاب الظالمين المجرمين ، فهو حائق بهم ولن يتحول عنهم إلى غيرهم{[3883]}


[3881]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 289
[3882]:نفس المصدر السابق
[3883]:تفسير ابن كثير ج 3 ص 562 وتفسير القرطبي ج 14 ص 36