في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ لَّهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلّٗا ظَلِيلًا} (57)

وفي مقابل هذا السعير المتأجج . وفي مقابل الجلود الناضجة المشوية المعذبة . . كلما نضجت بدلت . ليعود الاحتراق من جديد . ويعود الألم من جديد . في مقابل هذا المشهد المكروب الملهوف . . نجد ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) في جنات ندية :

( تجري من تحتها الأنهار ) :

ونجد في المشهد ثباتا وخلودا مطمئنا أكيدا :

خالدين فيها أبدًا

ونجد في الجنات والخلد الدائم أزواجا مطهرة :

لهم فيها أزواج مطهرة . .

ونجد روح الظلال الندية ؛ يرف على مشهد النعيم :

( وندخلهم ظلا ظليلا ) . .

تقابل كامل في الجزاء . وفي المشاهد . وفي الصور . وفي الإيقاع . . على طريقة القرآن في " مشاهد القيامة " ذات الإيحاء القوي النافذ العميق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ لَّهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلّٗا ظَلِيلًا} (57)

ولما ذكر الله وعيد الكفار ، عقب بوعد المؤمنين بالجنة على الإيمان والأعمال الصالحة ، وقرأ ابن وثاب والنخعي ، «سيدخلهم » بالياء وكذلك «يدخلهم » بعد ذلك{[4111]} . وقد تقدم القول في معنى { من تحتها } في سورة البقرة و { مطهرة } معناه : من الريب والأقذار التي هي معهودات في الدنيا و { ظليلاً } معناه : عند بعضهم يقي الحر والبرد ، ويصح أن يريد أنه ظل لا يستحيل ولا ينتقل ، كما يفعل ظل الدنيا ، فأكده بقوله { ظليلاً } لذلك ، ويصح أن يصفه بظليل لامتداده ، فقد قال عليه السلام : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها مائة سنة ما يقطعها »{[4112]} .


[4111]:- في قوله تعالى في الآية (122) من هذه السورة: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وعد الله حقا، ومن أصدق من الله قيلا}.
[4112]:- أخرج ابن جرير عن أبي هريرة مثله مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ. والآراء كثيرة في معنى الظل الظليل، قال ابن كثير: أي: ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا، وقيل هو للمبالغة كقولهم: ليل أليل، وداهية دهياء، ويوم أيوم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ لَّهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلّٗا ظَلِيلًا} (57)

قوله : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } ذكر هنا للمقابلة وزيادة الغيظ للكافرين . واقتصر من نعيم الآخرة على لذّة الجنّات والأزواج الصالحات ، لأنّهما أحبّ اللذّات المتعارفة للسامعين ، فالزوجة الصالحة آنس شيء للإنسان ، والجنّات مَحّل النعيم وحُسن المنظر .

وقوله : { وندخلهم ظِلاّ ظليلا } هو من تمام محاسن الجنّات ، لأنّ الظلّ إنّما يكون مع الشمس ، وذلك جمال الجنّات ولذّة التنعّم برؤية النور مع انتفاء حرّه . ووصف بالظليل وصفاً مشتقّاً من اسم الموصوف للدلالة على بلوغه الغاية في جنسه ، فقد يأتون بمثل هذا الوصف بوزن فعيل : كما هنا ، وقولهم : داء دويُّ ، ويأتون به بوزن أفْعل : كقولهم : لَيْلٌ ألْيَل ويَوْم أيْوَم ، ويأتون بوزن فَاعل : كقولهم : شِعْر شاعر ، ونَصَب نَاصِب .