في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

24

( وقالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ، وما يهلكنا إلا الدهر ، وما لهم بذلك من علم ، إن هم إلا يظنون ، وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا : ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين . قل : الله يحييكم ثم يميتكم ، ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه . ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) . .

هكذا كانوا ينظرون تلك النظرة القصيرة . الحياة في نظرهم هي هذا الشوط الذي يرونه في الدنيا رأي العين . جيل يموت وجيل يحيا ؛ وفي ظاهر الأمر لا تمتد إليهم يد بالموت ، إنما هي الأيام تمضي ، والدهر ينطوي ، فإذا هم أموات ؛ فالدهر إذن هو الذي ينهي آجالهم ، ويلحق بأجسامهم الموت فيموتون !

وهي نظرة سطحية لا تتجاوز المظاهر ، ولا تبحث عما وراءها من أسرار . وإلا فمن أين جاءت إليهم الحياة ؛ وإذا جاءت فمن ذا يذهب بها عنهم ? والموت لا ينال الأجسام وفق نظام محدد وعدد من الأيام معين ، حتى يظنوا أن مرور الأيام هو الذي يسلبهم الحياة . فالأطفال يموتون كالشيوخ والأصحاء يموتون كالمرضى . والأقوياء يموتون كالضعاف . ولا يصلح الدهر إذن تفسيراً للموت عند من ينظر إلى الأمر نظرة فاحصة ، ويحاول أن يعرف ، وأن يدرك حقيقة الأسباب .

لهذا يقول الله عنهم بحق :

( وما لهم بذلك من علم . إن هم إلا يظنون ) :

يظنون ظناً غامضاً واهياً ، لا يقوم على تدبر ، ولا يستند إلى علم ، ولا يدل على إدراك لحقائق الأمور . ولا ينظرون إلى ما وراء ظاهرتي الحياة والموت من سر يشهد بإرادة أخرى غير إرادة الإنسان ، وبسبب آخر غير مرور الأيام .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

شرح الكلمات :

{ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } : أي قال منكرو البعث ما الحياة إلا هذه الحياة ، وليس وراءها حياة أخرى .

{ نموت ونحيا } : أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا بأن يولدوا فيحيوا ويموتوا .

{ وما يهلكنا إلا الدهر } : أي وما يميتنا إلاّ مرور الزمان علينا .

{ وما لهم بذلك من علم } : أي وليس لهم أدنى علم على قولهم لا من وحي وكتاب إلهي ولا من عقل صحيح .

{ إن هم إلا يظنون } : أي ما هم إلا يظنون فقط . والظن لا قيمة له ولا يبنى عليه حكم بوضوح .

المعنى

تقدم في الآيات بيان اعتقاد بعض المشركين في استواء حال المؤمنين والكافرين يوم القيامة وأن الله تعالى أبطل ذلك الاعتقاد منكراً له عليهم ، وهنا حكى قول منكري البعث بالكلية ليرد عليهم ، وفي ذلك دعوة لعامة الناس إلى الإيمان والعمل الصالح للإِسعاد والكمال في الحياتين ، ولله الحمد والمنة فقال عز وجل : { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } أي وقال منكرو البعث والجزاء يوم القيامة ما هناك إلا حياتنا هذه التي نحياها وليس وراءها حياة أخرى ، إننا نموت ونحيا أي نموت نحن الأحياء ويحيا أبناؤنا من بعدنا وهكذا تستمر الحياة أبدا يموت الكبار ويحيا الصغار ، وما يهلكنا إلا الدهر ، أي وما يميتنا ويفنينا إلا مرور الزمان وطول الأعمار . وهو إلحاد كامل وإنكار للخالق عز وجل ، وهو تناقض منهم ؛ لأنهم إذا سئلوا من خلقهم يقولون الله فينسبون إليه الخلق وهو أصعب ولا ينسبون إليه الإماتة وهى أهون من الخلق ، فرد تعالى عليهم مذهبهم " الدهري " بقوله : { وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون } أي ليس لهم على معتقدهم هذا أدنى علم نقلياً كان ولا عقليا ، أي لم يتلقوه عن وحي أوحاه الله إلى من شاء من عباده ولا عن عقل سليم راجح لا ينقض حكمه كالواحد مع الواحد اثنان والأبيض خلاف الأسود وما إلى ذلك من القضايا العقلية التي لا ترد ، فهؤلاء الدهريون ليس لهم شيء من ذلك ، ما لهم إلا الظن والخرص وقضايا العقيدة لا تكون بالظن ، والظن أكذب الحديث .

الهداية

من الهداية

- تقرير البعث والجزاء .

- الرد على الدهريين وهم الذين ينسبون الحياة والموت للدهر وينفون وجود الخالق عز وجل .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

قوله تعالى : { وقالوا } يعني : منكري البعث ، { ما هي إلا حياتنا الدنيا } أي : ما الحياة إلا حياتنا الدنيا ، { نموت ونحيا } أي يموت الآباء ويحيا الأبناء ، وقال الزجاج : يعني نموت ونحيا ، " فالواو " للاجتماع ، { وما يهلكنا إلا الدهر } أي وما يفنينا إلا مر الزمان وطول العمر واختلاف الليل والنهار . { وما لهم بذلك } أي : الذي قالوه ، { من علم } أي : لم يقولوه عن علم ، { إن هم إلا يظنون }

أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن همام بن منبه ، حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله تعالى : لا يقل ابن آدم : يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر ، أرسل الليل والنهار ، فإذا شئت قبضتهما " .

أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، حدثنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنبأنا محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن أيوب عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يسب أحدكم الدهر ، فإن الله هو الدهر ، ولا يقولن للعنب : الكرم ، فإن الكرم هو الرجل المسلم " . ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنهم ذم الدهر ، وسبه عند النوازل ، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره ، فيقولون : أصابتهم قوارع الدهر ، وأبادهم الدهر ، كما أخبر الله تعالى عنهم : { وما يهلكنا إلا الدهر } فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها ، فكان مرجع سبهم إلى الله عز وجل ، إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر ، فنهوا عن سب الدهر .