في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

30

( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ) . .

والعباد يرون القمر في منازله تلك . يولد هلالاً . ثم ينمو ليلة بعد ليلة حتى يستدير بدراً . ثم يأخذ في التناقص حتى يعود هلالاً مقوساً كالعرجون القديم . والعرجون هو العذق الذي يكون فيه البلح من النخلة .

والذي يلاحظ القمر ليلة بعد ليلة يدرك ظل التعبير القرآني العجيب : ( حتى عاد كالعرجون القديم ) . . وبخاصة ظل ذلك اللفظ( القديم ) . فالقمر في لياليه الأولى هلال . وفي لياليه الأخيرة هلال . . ولكنه في الأولى يبدو وكأن فيه نضارة وفتوة . وفي الأخير يطلع وكأنما يغشاه سهوم ووجوم ، ويكسوه شحوب وذبول . ذبول العرجون القديم ! فليست مصادفة أن يعبر القرآن الكريم عنه هذا التعبير الموحي العجيب !

والحياة مع القمر ليلة بعد ليلة تثير في الحس مشاعر وخواطر ندية ثرية موحية عميقة . والقلب البشري الذي يعيش مع القمر دورة كاملة ، لا ينجو من تأثرات واستجابات ، ومن سبحات مع اليد المبدعة للجمال والجلال ؛ المدبرة للأجرام بذلك النظام . سواء كان يعلم سر هذه المنازل والأشكال القمرية المختلفة أو لا يعلم . فالمشاهدة وحدها كفيلة بتحريك القلب ، واستجاشة الشعور ، وإثارة التدبر والتفكير .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

شرح الكلمات :

{ والقمر قدرناه منازل } : وآية أخرى هي تقدير منازل القمر التي هي ثمان وعشرون منزلة .

{ حتى عاد كالعرجون القديم } : أي حتى رجع كعود العذق الذي أصله في النخلة وآخره في الشماريخ وهو أصفر دقيق مقوس كالقمر لما يكون في آخر الشهر .

المعنى :

قوله تعالى { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم } هذه آية أخرى على إمكان البعث وحتميته والقمر كوكب منير يدور حول الأرض يتنقل في منازله الثمانية والعشرين منزلة بدقة فائقة وحساب دقيق ليعرف بذلك سكان الأرض عدد السنين والحساب إذ لولاه لما عرف يوم ولا أسبوع ولا شهر ولا سنة ولا قرن .

فالقمر يبدأ هلالا صغيرا ويأخذ في الظهور فيكبر بظهوره شيئا فشيئا حتى يصبح في نصف الشهر بدرا كاملا ، ثم يأخذ في الأفول والاضمحلال بنظام عجب حتى يصبح في آخر الشهر كالعرجون القديم أي كعود العرجون أصفر دقيق مقوس كل ذلك لفائدة الإِنسان الذي يعيش على سطح هذه الأرض أليس هذا آية كبرى على قدرة الله العزيز العليم على إعادة الحياة لحكمة الحساب والجزاء ؟ بلى إنها لآية كبرى .

/ذ40

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ} (39)

ولما ذكر آية النهار ، أتبعها آية الليل فقال : { والقمر } ومعناه في قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وروح عن يعقوب بالرفع : يجري لمستقر له ، ونصبه الباقون دلالة على عظمة هذا الجري لسرعته بقطعه في شهر ما تقطعه الشمس في سنة ، ولذلك ضعف الفعل المفسر للناصب وأعمله في ضمير القمر ليكون مذكوراً مرتين فيدل على شدة العناية تنبيهاً على تعظيم الفعل فيه ، وأعاد مظهر العظمة فقال مستانفاً في قراءة الرفع : { قدرناه } أي قسناه قياساً عظيماً أي قسنا لسيره { منازل } ثمانية وعشرين ، ثم يستسر ليلتين : عند التمام وليلة للنقصان لا يقدر يوماً أن يتعداه ، قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : يبعد عن الشمس ولا يزال يتباعد حتى يعود بدراً ، ثم يدنو فكلما ازداد من الشمس دنواً ازداد في نفسه نقصاناً إلى أن يتلاشى . { حتى عاد } أي بعد أن كان بدراً عظيماً { كالعرجون } من النخل وهو عود العذق ما بين شماريخه إلى منتهاه وهو منبته من النخلة دقيقاً منحنياً ، وهو فعلول ذكره أهل اللغة في النون وقالوا : عرجن الثوب : صور فيه صور العراجين ، وقال المفسرون : إنه من عرج ، أي أعوج . ولما كانت حمرته آخذة إلى صفرة قال : { القديم * } أي المحول ، فإن العرجون إذا طال مكثه صار كذلك ، فدق وانحنى واصفر .