في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدٗا} (131)

ولأن هذه الأحكام الخاصة بتنظيم الحياة الزوجية ، قطاع من المنهج الرباني لتنظيم الحياة كلها ؛ ولأن هذا المنهج بجملته قطاع من الناموس الكوني ، الذي أراده الله للكون كله ، فهو يتوافق مع فطرة الله للكون ، وفطرة الله للإنسان ، الذي يعيش في هذا الكون . . لأن هذه هي الحقيقة العميقة في هذا المنهج الشامل الكبير ، يجيء في سياق السورة بعد الأحكام الخاصة بتنظيم الأسرة ، ما يربطها بالنظام الكوني كله ؛ وسلطان الله في الكون كله ، وملكية الله للكون كله . ووحدة الوصية التي وصى الله بها الناس في كتبه كلها ؛ وثواب الدنيا وثواب الآخرة . . وهي القواعد التي يقوم عليها المنهج كله . قواعد الحق والعدل والتقوى :

( ولله ما في السماوات وما في الأرض . ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم : أن اتقوا الله . وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا ، ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا . إن يشأ يذهبكم - أيها الناس - ويأت بآخرين . وكان الله على ذلك قديرا . من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة . وكان الله سميعا بصيرًا ) .

ويكثر في القرآن التعقيب على الأحكام ، وعلى الأوامر والنواهي بأن لله ما في السماوات وما في الأرض ؛ أو بأن لله ملك السماوات والأرض . فالأمران متلازمان في الحقيقة . فالمالك هو صاحب السلطان في ملكه ؛ وهو صاحب حق التشريع لمن يحتويهم هذا الملك . والله وحده هو المالك ، ومن ثم فهو وحده صاحب السلطان الذي يشرع به للناس . فالأمران متلازمان .

كذلك يبرز هنا من وصية الله - سبحانه - لكل من أنزل عليهم كتابا . . الوصية بالتقوى ، وذلك بعد تعيين من له ملكية السماوات والأرض ، ومن له حق الوصية في ملكه :

( ولله ما في السماوات وما في الأرض . ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) .

فصاحب السلطان الحقيقي هو الذي يخشى ويخاف . وتقوى الله هي الكفيلة بصلاح القلوب ، وحرصها على منهجه في كل جزئياته .

كذلك يبين لمن يكفرون ضآلة شأنهم في ملك الله ؛

( وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا )

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدٗا} (131)

يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض ، وأنه الحاكم فيهما ؛ ولهذا قال : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ } أي : وصيناكم بما وصيناهم به ، من تقوى الله ، عز وجل ، بعبادته وحده لا شريك له .

ثم قال : { وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وِمَا فِي الأرْضِ [ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ]{[8455]} } كما قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لقومه : { إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ إبراهيم : 8 ] ، وقال { فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ التغابن : 6 ] أي : غني عن عباده ، { حَمِيدٌ } أي : محمود في جميع ما يقدره ويشرعه .


[8455]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدٗا} (131)

وقوله تعالى : { ولله ما في السماوات وما في الأرض } تنبيه على موضع الرجاء لهذين المفترقين ، ثم جاء بعد ذلك قوله { وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض } تنبيهاً على استغنائه عن العباد ، ومقدمة للخبر بكونه غنياً حميداً .