ولما كان مبنى هذه السورة على التعاطف والتراحم والتواصل ، لم يذكر فيها الطلاق إلا على وجه الإيماء في هذه الآية على وجه البيان لرأفته وسعة رحمته وعموم تربيته ، وفي ذلك معنى الوصلة والعطف ، قال ابن الزبير : ولكثرة ما يعرض من رعى حظوظ النفوس{[22945]} عند الزوجية ومع{[22946]} القرابة - ويدق ذلك{[22947]} ويغمض - لذلك ما تكرر كثيراً في هذه السورة الأمرُ بالاتقاء ، وبه افتتحت{ اتقوا ربكم }[ النساء : 1 ] ، { و{[22948]}اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام }[ النساء : 1 ] ، { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } [ النساء : 131 ] .
ولما ذكر تعالى آية{[22949]} التفرق وختمها بصفتي السعة والحكمة دل على الأول ترغيباً في سؤاله : { ولله } أي الذي له العظمة كلها { ما في السماوات } ولما كان في السياق بيان ضعف{[22950]} النفوس وجبلها على النقائص ، فكانت محتاجة إلى تقوية الكلام المخرج لها عما ألفت من الباطل قال : { وما في الأرض } وعلى الثانية بالوصية بالتقوى لأنه كرر الحث على التقوى في هذه الجمل في سياق الشرط بقوله :
{ وإن تحسنوا وتتقوا }[ النساء : 128 ] { {[22951]}وإن تصلحو وتتقوا{[22952]} }[ النساء : 129 ] فأخبر تعالى بعد اللطف بذلك السياق أن وصيته بها{[22953]} مؤكدة ، لم تزل قديماً وحديثاً ، لأن العلم بالمشاركة في الأمر يكون أدعى للقبول ، وأهون على النفس ، فقال تعالى : { ولقد وصينا } أي على ما لنا من العظمة .
ولما كان الاشتراك في الأحكام موجباً للرغبة فيها والتخفيف لثقلها ، وكانت الوصية للعالم{[22954]} أجدر بالقبول قال : { الذين أوتوا الكتاب } أي التوراة والإنجيل وغيرهما وبنى الفعل للمجهول لأن القصد بيان كونهم أهل علم ليرغب فيما أوصوا به ، ودلالة على أن العلم في نفسه مهيىء للقبول{[22955]} ، ولإفادة أن وصيتهم أعم من أن تكون في الكتاب ، أو على لسان{[22956]} الرسول من غير كتاب ، ولما كان إيتاؤهم الكتاب غير مستغرق للماضي وكذا الإيصاء قال : { من قبلكم } أي من بني إسرائيل وغيرهم { وإياكم } أي ووصيانكم مثل ما وصيناهم ؛ ولما كانت{[22957]} التوصية بمعنى القول فسرها بقوله : { أن اتقوا الله } أي الذي لا يطاق انتقامه لأنه لا كفوء له .
ولما كان التقدير : فإن تتقوا فهو حظكم وسعادتكم في الدارين ، عطف عليه قوله : { وإن تكفروا } أي بترك التقوى { فإن الله } أي الذي له الكمال المطلق { ما في السماوات } ولما كان السياق لفرض الكفر حسن التأكيد في قوله : { وما في الأرض } منكم ومن غيركم من حيوان وجماد أجساداً وأروحاً و{[22958]}أحوالاً .
ولما كان المعنى : لا يخرج{[22959]} شيء عن ملكه ولا إرادته ، ولا يلحقه ضرر بكفركم ، ولم تضروا إن فعلتم إلا أنفسكم ، لأنه غني عنكم ، لا يزداد جلاله بالطاعات{[22960]} ، ولا ينقص بالمعاصي{[22961]} والسيئات ؛ أكده بقوله دالاً على غناه واستحقاقه للمحامد : { وكان الله } أي الذي له الإحاطة كلها { غنياً } أي{[22962]} عن كل شيء الغنى المطلق لذاته{[22963]} { حميداً * } أي محموداً بكل لسان قالي وحالي ، كفرتم أو شكرتم ، فكان ذلك غاية في بيان حكمته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.