والموضوع الثاني في هذا الدرس هو موضوع المرأة . .
ولقد كانت الجاهلية العربية - كما كانت سائر الجاهليات من حولهم - تعامل المرأة معاملة سيئة . . لا تعرف لها حقوقها الإنسانية ، فتنزل بها عن منزلة الرجل نزولا شنيعا ، يدعها أشبه بالسلعة منها بالإنسان . وذلك في الوقت الذي تتخذ منها تسلية ومتعة بهيمية ، وتطلقها فتنة للنفوس ، وإغراء للغرائز ، ومادة للتشهي والغزل العاري المكشوف . . فجاء الإسلام ليرفع عنها هذا كله ، ويردها إلى مكانها الطبيعي في كيان الأسرة وإلى دورها الجدي في نظام الجماعة البشرية . المكان الذي يتفق مع المبدأ العام الذي قرره في مفتتح هذه السورة : ( الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) . . ثم ليرفع مستوى المشاعر الإنسانية في الحياة الزوجية من المستوى الحيواني الهابط إلى المستوى الإنساني الرفيع ، ويظللها بظلال الاحترام والمودة والتعاطف والتجمل ؛ وليوثق الروابط والوشائج ، فلا تنقطع عند الصدمة الأولى ، وعند الانفعال الأول :
( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن - إلا أن يأتين بفاحشة مبينة - وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا . وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا . أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ؟ وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، وأخذن منكم ميثاقا غليظا ؟ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء - إلا ما قد سلف - إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) . .
كان بعضهم في الجاهلية العربية - قبل أن ينتشل الإسلام العرب من هذه الوهدة ويرفعهم إلى مستواه الكريم - إذا مات الرجل منهم فأولياؤه أحق بامرأته ، يرثونها كما يرثون البهائم والمتروكات ! إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها وأخذوا مهرها - كما يبيعون البهائم والمتروكات ! - وإن شاءوا عضلوها وأمسكوها في البيت . دون تزويج ، حتى تفتدي نفسها بشيء . .
وكان بعضهم إذا توفي عن المرأة زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبه ، فمنعها من الناس ، وحازها كما يحوز السلب والغنيمة ! فإن كانت جميلة تزوجها ؛ وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها ، أو تفتدي نفسها منه بمال ! فأما إذا فاتته فانطلقت إلى بيت أهلها قبل أن يدركها فيلقي عليها ثوبه ، فقد نجت وتحررت وحمت نفسها منه !
وكان بعضهم يطلق المرأة ، ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد ؛ حتى تفتدي نفسها منه ، بما كان أعطاها . . كله أو بعضه !
وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا امرأته على الصبي فيهم حتى يكبر فيأخذها !
وكان الرجل تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها ، فيحبسها عن الزواج ، حتى يكبر إبنه الصغير ليتزوجها ، ويأخذ مالها !
وهكذا . وهكذا . مما لا يتفق مع النظرة الكريمة التي ينظر بها الإسلام لشقي النفس الواحدة ؛ ومما يهبط بإنسانية المرأة وإنسانية الرجل على السواء . . ويحيل العلاقة بين الجنسين علاقة تجار ، أو علاقة بهائم !
ومن هذا الدرك الهابط رفع الإسلام تلك العلاقة إلى ذلك المستوى العالي الكريم ، اللائق بكرامة بني آدم ، الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير من العالمين . فمن فكرة الإسلام عن الإنسان ، ومن نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية ، كان ذلك الارتفاع ، الذي لم تعرفه البشرية إلا من هذا المصدر الكريم .
حرم الإسلام وراثة المرأة كما تورث السلعة والبهيمة ، كما حرم العضل الذي تسامه المرأة ، ويتخذ أداة للإضرار بها - إلا في حالة الإتيان بالفاحشة ، وذلك قبل أن يتقرر حد الزنا المعروف - وجعل للمرأة حريتها في اختيار من تعاشره ابتداء أو استئنافا . بكرا أم ثيبا مطلقة أو متوفى عنها زوجها . وجعل العشرة بالمعروف فريضة على الرجال - حتى في حالة كراهية الزوج لزوجته ما لم تصبح العشرة متعذرة - ونسم في هذه الحالة نسمة الرجاء في غيب الله وفي علم الله . كي لا يطاوع المرء انفعاله الأول ، فيبت وشيجة الزوجية العزيزة . فما يدريه أن هنالك خيرا فيما يكره ، هو لا يدريه . خيرا مخبوءا كامنا ، لعله إن كظم انفعاله واستبقى زوجة سيلاقيه :
( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن - إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . وعاشروهن بالمعروف . فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ، ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) . .
وهذه اللمسة الأخيرة في الآية ، تعلق النفس بالله ، وتهدىء من فورة الغضب ، وتفثأ من حدة الكره ، حتى يعاود الإنسان نفسه في هدوء ؛ وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الرياح . فهي مربوطة العرى بالعروة الوثقى . العروة الدائمة . العروة التي تربط بين قلب المؤمن وربه ، وهي أوثق العرى وأبقاها .
والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكنا وأمنا وسلاما ، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنسا ، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق ، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب . . هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) . . كي يستأني بعقدة الزوجية فلا تفصم لأول خاطر ، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة ، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة ، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك . .
وما أعظم قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لرجل أراد أن يطلق زوجه " لأنه لا يحبها " . . " ويحك ! ألم تبن البيوت إلا على الحب ؟ فأين الرعاية وأين التذمم ؟ " . .
وما أتفه الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باسم " الحب " وهم يعنون به نزوة العاطفة المتقلبة ، ويبيحون باسمه - لا انفصال الزوجين وتحطيم المؤسسة الزوجية - بل خيانة الزوجة لزوجها ! أليست لا تحبه ؟ ! وخيانة الزوج لزوجته ! أليس أنه لا يحبها ؟ !
وما يهجس في هذه النفوس التافهة الصغيرة معنى أكبر من نزوة العاطفة الصغيرة المتقلبة ، ونزوة الميل الحيواني المسعور . ومن المؤكد أنه لا يخطر لهم أن في الحياة من المروءة والنبل والتجمل والاحتمال ، ما هو أكبر وأعظم من هذا الذي يتشدقون به في تصور هابط هزيل . . ومن المؤكد طبعا أنه لا يخطر لهم خاطر . . الله . . فهم بعيدون عنه في جاهليتهم المزوقة ! فما تستشعر قلوبهم ما يقوله الله للمؤمنين : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) . .
إن العقيدة الإيمانية هي وحدها التي ترفع النفوس ، وترفع الاهتمامات ، وترفع الحياة الإنسانية عن نزوة البهيمة ، وطمع التاجر ، وتفاهة الفارغ !
قال البخاري : حدثنا محمد بن مُقَاتل ، حدثنا أسْبَاط بن محمد ، حدثنا الشَّيْباني عن عكرمة ، عن ابن عباس - قال الشيباني : وذكره أبو الحسن السَّوَائي ، ولا أظُنُّه ذكره إلا عن ابن عباس - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا } قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضُهم تزوجها ، وإن شاءوا زَوَّجُوها ، وإن شاؤوا لم يُزَوِّجوها ، فهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك .
هكذا رواه البخاري وأبو داود ، والنسائي ، وابن مَرْدُويه ، وابن أبي حاتم ، من حديث أبي إسحاق الشيباني - واسمه سليمان بن أبي سليمان - عن عكرمة ، وعن أبي الحسن السوائي واسمه عطاء ، كوفي أعمى - كلاهما عن ابن عباس بما تقدم{[6827]} .
وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المَرْوزي ، حدثني علي بن حُسَين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : { لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } وذلك أن الرجل كان{[6828]} يرث امرأة ذي قرابته ، فيَعْضلها حتى تموت أو تَرُد إليه صداقها ، فأحكَمَ الله تعالى عن ذلك ، أي نهى عن ذلك .
تفرد به أبو داود{[6829]} وقد رواه غَيْر واحد عن ابن عباس بنحو{[6830]} ذلك ، فقال وَكِيع عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن مِقْسم ، عن ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا تُوفِّي عنها زوجها فجاء رجل فألقى عليها ثوبًا ، كان أحق بها ، فنزلت : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا }{[6831]} .
وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا } قال : كان الرجل إذا مات وترك جارية ، ألقى{[6832]} عليها حميمه{[6833]} ثوبه ، فمنعها من الناس . فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دَميمة حبسها حتى تموت فيرثها .
وروى{[6834]} العوفي عنه : كان الرجل من أهل المدينة إذا مات حميمُ أحدهم ألقى ثوبه على امرأته ، فَورِث نكاحها ولم ينكحها أحد غيره ، وحبسها عنده حتى تفتدي منه بِفِدْيَةٍ : فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا }
وقال زيد بن أسلم في الآية{[6835]} [ { لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا } ]{[6836]} كان أهل يَثْرِبَ إذا مات الرجل منهم في الجاهلية وَرِث امرأته من يرث ماله ، وكان يعضُلها حتى يرثها ، أو يزوجها من أراد ، وكان أهل تُهامة يُسِيء الرجل صحبة{[6837]} المرأة حتى يطلقها ، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها ، فنهى الله المؤمنين عن ذلك . رواه ابن أبي حاتم .
وقال أبو بكر بن مَرْدُويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن إسحاق ، حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن يحيى{[6838]} بن سعيد ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه قال : لما توفي أبو قَيْس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فأنزل الله : { لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا }
ورواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل ، به . ثم روي من طريق ابن جُرَيج قال : أخبرني عطاء أن أهل الجاهلية كانوا إذا هَلَك الرجل وترك امرأة ، حبسها أهلُه على الصبي يكون فيهم ، فنزلت : { لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا } الآية .
قال ابن جريج : وقال مجاهد : كان الرجل إذا تُوُفي كان ابنه أحق بامرأته ، ينكحها إن شاء ، إذا لم يكن ابنها ، أو ينكحها من شاء أخاه أو ابن أخيه .
قال ابن جريج : وقال عكرمة : نزلت في كُبَيْشَةَ بنت مَعْن بن عاصم بن الأوس ، توفي عنها أبو قيس ابن الأسلت ، فجنَحَ عليها ابنُه ، فجاءت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، لا أنا وَرِثْتُ زوجي ، ولا أنا تُرِكْتُ فأنكح ، فنزلت هذه الآية .
وقال السدي عن أبي مالك : كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها ، جاء وليه فألقى عليها ثوبًا ، فإن كان له ابن صغير أو أخ حبسها حتى يَشب{[6839]} أو تموت فيرثها ، فإن هي انفلتت فأتت أهلها ، ولم يلق عليها ثوبًا نَجَتْ ، فأنزل الله : [ تعالى ]{[6840]} { لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا }
وقال مجاهد في الآية : كان الرجل يكون في حجره اليتيمة هو يلي أمرها ، فيحبسها رجاء أن تموت امرأته ، فيتزوجها أو يزوجها ابنه . رواه ابن أبي حاتم . ثم قال : ورُوِيَ عن الشعبي ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبي مِجْلَز ، والضحاك ، والزهري ، وعطاء الخراساني ، ومقاتل بن حَيَّان - نحوُ ذلك .
قلت : فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية ، وما ذكره مجاهد ومن وافقه ، وكل ما كان فيه نوع من ذلك ، والله أعلم .
وقوله : { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } أي : لا تُضارّوهن في العِشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقًا من حقوقها عليك ، أو شيئًا من ذلك على وجه القهر لها والاضطهاد .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ } يقول : ولا تقهروهن { لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } يعني : الرجل تكون له امرأة{[6841]} وهو كاره لصحبتها ، ولها عليه مَهرٌ فيَضرها{[6842]} لتفتدي .
وكذا قال الضحاك ، وقتادة [ وغير واحد ]{[6843]} واختاره ابن جرير .
وقال ابن المبارك وعبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَرٌ قال : أخبرني سِمَاك بن الفضل ، عن ابن البَيْلمَاني{[6844]} قال : نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية ، والأخرى في أمرالإسلام . قال عبد الله بن المبارك : يعني قوله : { لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا } في الجاهلية { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ } في الإسلام .
وقوله : { إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المُسَيَّب ، والشَّعْبِيُّ ، والحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وسعيد بن جُبَيْرٍ ، ومجاهد ، وعِكْرَمَة ، وعَطاء الخراسانيّ ، والضَّحَّاك ، وأبو قِلابةَ ، وأبو صالح ، والسُّدِّي ، وزيد بن أسلم ، وسعيد بن أبي هلال : يعني بذلك الزنا ، يعني : إذا زنت فلك أن تسترجع منها الصداق الذي أعطيتها وتُضَاجرهَا حتى تتركه لك وتخالعها ، كما قال تعالى في سورة البقرة : { وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ]{[6845]} } الآية[ البقرة : 229 ] .
وقال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك : الفاحشة المبينة : النُّشوز والعِصْيان .
واختار ابن جرير أنَّه يَعُم ذلك كلَّه : الزنا ، والعصيان ، والنشوز ، وبَذاء اللسان ، وغير ذلك .
يعني : أن هذا كله يُبيح مضاجرتها حتى تُبْرئه من حقها أو بعضه ويفارقها ، وهذا جيد ، والله أعلم ، وقد تقدم فيما رواه أبو داود منفردا به من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ]{[6846]} في قوله : { لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } قال : وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته ، فيعضُلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فأحكم الله عن ذلك ، أي نهى عن ذلك .
قال{[6847]} عكرمة والحسن البصري : وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ، ولكن نهي المسلمون عن فعله في الإسلام .
قال عبد الرحمن بن زيد : كان العَضْل في قريش بمكة ، ينكحُ الرجلُ المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه ، فيفارقها على أن{[6848]} لا تُزوّج{[6849]} إلا بإذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد ، فإذا خطبها الخاطب فإن أعطته وأرضته أذن{[6850]} لها ، وإلا عَضلها . قال : فهذا قوله : { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } الآية .
وقال مجاهد في قوله : { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } هو كالعضل في سورة البقرة .
وقوله : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي : طيِّبُوا أقوالكم لهن ، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها ، فافعل أنت بها مثله ، كما قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 228 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي " {[6851]} وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة دائم البِشْرِ ، يُداعِبُ أهلَه ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك . قالت : سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم ، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني ، فقال : " هذِهِ بتلْك " {[6852]} ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها . وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل{[6853]} منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] .
وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتاب " الأحكام " ، ولله الحمد .
وقوله تعالى : { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا [ وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ]{[6854]} } أي : فعَسَى أن يكون صبركم مع{[6855]} إمساككم لهن وكراهتهن فيه ، خير كثير لكم في الدنيا والآخرة . كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولدًا . ويكون في ذلك الولد خير كثير{[6856]} وفي الحديث الصحيح : " لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة ، إن سَخِطَ منها خُلُقا رَضِيَ منها آخر " {[6857]} .
{ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } كان الرجل إذا مات وله عصبة ألقى ثوبه على امرأته وقال : أنا أحق بها ثم إن شاء تزوجها بصداقها الأول ، وإن شاء زوجها غيره وأخذ صداقها ، وإن شاء عضلها لتفتدي بما ورثت من زوجها ، فنهوا عن ذلك . وقيل : لا يحل لكم أن تأخذوهن على سبيل الإرث فتتزوجوهن كارهات لذلك أو مكرهات عليه . وقرأ حمزة والكسائي { كرها } بالضم في مواضعه وهما لغتان . وقيل بالضم المشقة وبالفتح ما يكره عليه . { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } عطف على { أن ترثوا } ، ولا لتأكيد النفي أي ولا تمنعوهن من التزويج ، وأصل العضل التضييق يقال عضلت الدجاجة ببيضها . وقيل الخطاب مع الأزواج كانوا يحبسون النساء من غير حاجة ورغبة حتى يرثوا منهن أو يختلعن بمهورهن . وقيل تم الكلام بقوله كرها ثم خاطب الأزواج ونهاهم عن العضل . { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } كالنشوز وسوء العشرة وعدم التعفف ، والاستثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له تقديره ولا تعضلوهن للافتداء إلا وقت أن يأتين بفاحشة ، أو ولا تعضلوهن لعلة إلا أن يأتين بفاحشة . وقرأ ابن كثير وأبو بكر { مبينة } هنا وفي الأحزاب والطلاق بفتح الياء والباقون بكسرها فيهن . { وعاشروهن بالمعروف } بالإنصاف في الفعل والإجمال في القول . { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا } أي فلا تفارقوهن لكراهة النفس فإنها قد تكره ما هو أصلح دينا وأكثر خيرا ، وقد تحب ما هو بخلافه . وليكن نظركم إلى ما هو أصلح للدين وأدنى إلى الخير ، وعسى في الأصل علة فأقيم مقامه ، والمعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .
اختلف المتأولون في معنى قوله تعالى : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } فقال ابن عباس : كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته في أهلها ، إن شاؤوا تزوجها أحدهم ، وإن شاؤوا زوجوها من غيرهم ، وإن شاؤوا منعوها الزواج ، فنزلت الآية في ذلك ، قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف{[3908]} : لما توفي أبو قيس بن الأسلت{[3909]} ، أراد ابنه أن يتزوج امرأته ، وكان لهم ذلك في الجاهلية ، فنزلت الآية في ذلك ، ذكر النقاش : أن اسم ولد أبي قيس محصن .
قال القاضي أبو محمد : كانت هذه السيرة في الأنصار لازمة ، وكانت في قريش مباحة مع التراضي ، ألا ترى أن أبا عمرو بن أمية ، خلف على امرأة أبيه بعد موته ، فولدت من أبي عمرو مسافراً وأبا معيط وكان لها من أمية أبو العيص وغيره ، فكان بنو أمية إخوة مسافر وأبي معيط وأعمامها ، وقال بمثل هذا القول الذي حكيت عن ابن عباس عكرمة والحسن البصري وأبو مجلز ، قال عكرمة : نزلت في كبيشة بنت معن الأنصارية ، توفي عنها أبو قيس بن الأسلت ، وقال مجاهد : كان الابن الأكبر أحق بامرأة أبيه إذا لم يكن ولدها ، وقال السدي : كان ولي الميت إذا سبق فألقى على امرأة الميت ثوبه ، فهو أحق بها ، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها كانت أحق بنفسها .
قال القاضي أبو محمد : والروايات في هذا كثيرة بحسب السير الجاهلية ، ولا منفعة في ذكر جميع ذلك ، إذ قد أذهبه الله بقوله : { لا يحل لكم } ومعنى الآية على هذا القول : { لا يحل لكم } أن تجعلوا النساء كالمال ، يورَثن عن الرجال الموتى ، كما يورث المال ، والمتلبس بالخطاب أولياء الموتى ، وقال بعض المتأولين : معنى الآية : { لا يحل لكم } عضل النساء اللواتي أنتم أولياء لهن وإمساكهن دون تزويج حتى يمتن فتورث أموالهن .
قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا القول فالموروث مالها لا هي ، وروي نحو هذا عن ابن عباس وغيره ، والمتلبس بالخطاب أولياء النساء وأزواجهن ، إذا حبسوهن مع سوء العشرة طماعية أن يرثوهن{[3910]} .
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير : «كَرهاً » بفتح الكاف حيث وقع في النساء وسورة التوبة وفي الأحقاف ، وقرأ حمزة والكسائي جميع ذلك بضم الكاف ، وقرأ عاصم وابن عامر في النساء والتوبة بفتح الكاف ، وفي الأحقاف في الموضعين بضمها ، والكَره والكُره لغتان كالضعف والضعف ، والفقر والفقر ، قاله أبو علي ، وقال الفراء : هو بضم الكاف المشقة وبفتحها إكراه غير ، وقاله ابن قتيبة ، واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : { ولا تعضلوهن } الآية ، فقال ابن عباس وغيره : هي أيضاً في أولئك الأولياء الذين كانوا يرثون المرأة لأنهم كانوا يتزوجونها إذا كانت جميلة ، ويمسكونها حتى تموت إذا كانت دميمة ، وقال نحوه الحسن وعكرمة .
قال القاضي أبو محمد : ويجيء في قوله : { آتيتموهن } خلط أي ما آتاها الرجال قبل ، فهي كقوله : { فاقتلوا أنفسكم } [ البقرة : 54 ] وغير ذلك وقال ابن عباس أيضاً : هي في الأزواج ، في الرجل يمسك المرأة ويسيء عشرتها حتى تفتدي منه ، فذلك لا يحل له ، وقال مثله قتادة ، وقال ابن البيلماني : الفصل الأول من الآية هو في أمر الجاهلية ، والثاني في العضل ، هو في أهل الإسلام في حبس الزوجة ضراراً للفدية ، وقال ابن مسعود ، معنى الآية : لا ترثوا النساء كفعل الجاهلية ، { ولا تعضلوهن } في الإسلام ، وقال نحو هذا القول السدي والضحاك ، وقال السدي : هذه الآية خطاب للأولياء ، كالعضل المنهي عنه في سورة البقرة . قال القاضي أبو محمد : وهذا يقلق ، إلا أن يكون العضل من ولي وارث ، فهو يؤمل موتها ، وإن كان غير وارث فبأي شيء يذهب ؟ وقال ابن زيد : هذا العضل المنهي عنه في هذه الآية هو من سير الجاهلية في قريش بمكة ، إذا لم يتوافق الزوجان طلقها على ألا تتزوج إلا بإذنه ، ويشهد عليها بذلك ، فإذا خطبت فإن أعطته ورشته وإلا عضل ، ففي هذا نزلت الآية .
قال القاضي أبو محمد : والذي أقول : إن العضل في اللغة الحبس في شدة ومضرة ، والمنع من الفرج في ذلك فمن ذلك قولهم : أعضلت الدجاجة وعضلت إذا صعب عليها وضع البيضة ، ومنه أعضل الداء إذا لحج ولم يبرأ ، ومنه داء عضال . ومشى عرف الفقهاء على أن العضل من الأولياء في حبس النساء عن التزويج ، وهو في اللغة أعم من هذا حسبما ذكرت ، يقع من ولي ومن زوج ، وأقوى ما في هذه الأقوال المتقدمة ، أن المراد الأزواج ، ودليل ذلك قوله : { إلا أن يأتين بفاحشة } وإذا أتت بفاحشة فليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعاً من الأمة ، وإنما ذلك للزوج على ما سنبين بعد إن شاء الله ، وكذلك قوله : { وعاشروهن بالمعروف } إلى آخر الآية يظهر منه تقوية ما ذكرته ، وإن كان ذلك يحتمل أن يكون أمراً منقطعاً من الأول يخص به الأزواج ، وأما العضل فمنهي عنه كل من يتصور في نازلة عاضلاً ، ومتى صح في ولي أنه عاضل نظر القاضي في أمر المرأة وزوجها ولم يلتفت ، إلا الأب في بناته ، فإنه إن كان في أمره إشكال فلا يعترض قولاً واحداً{[3911]} ، وإن صح عضله ففيه قولان في مذهب مالك : أحدهما أنه كسائر الأولياء : يزوج القاضي من شاء التزويج من بناته وطلبه ، والقول الآخر إنه لا يعرض له ، ويحتمل قوله : { ولا تعضلوهن } أن يكون جزماً ، فتكون الواو عاطفة جملة كلام مقطوعة من الأولى ، ويحتمل أن يكون { تعضلوهن } نصباً عطفاً على { ترثوا } فتكون الواو مشركة عاطفة فعل على فعل ، وقرأ ابن مسعود : «ولا أن تعضلوهن » فهذه القراءة تقوي احتمال النصب ، وأن العضل مما لا يحل بالنص ، وعلى تأويل الجزم هو نهي معرض لطلب القرائن في التحريم أو الكراهية ، واحتمال النصب أقوى ، واختلف الناس في معنى الفاحشة هنا ، فقال الحسن بن أبي الحسن : هو الزنا ، وإذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى سنة ، وترد إلى زوجها ما أخذت منه ، وقال أبو قلابة : إذا زنت امرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه ، وقال السدي : إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن ، وقال عطاء الخراساني : كان هذا الحكم ثم نسخ بالحدود ، وهذا قول ضعيف ، وقال ابن عباس رحمه الله : «الفاحشة » في هذه الآية البغض والنشوز ، وقاله الضحاك وغيره ، قالوا : فإذا نشزت حل له أن يأخذ مالها .
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو مذهب مالك ، إلا أني لا أحفظ له نصاً في معنى «الفاحشة » في هذه الآية ، وقال قوم «الفاحشة » البذاء باللسان وسوء العشرة قولاً وفعلاً ، وهذا في معنى النشوز ، ومن أهل العلم من يجيز أخذ المال من الناشز على جهة الخلع ، إلا أنه يرى ألا يتجاوز ما أعطاها ركوناً إلى قوله تعالى : { لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } وقال مالك وأصحابه وجماعة من أهل العلم : للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك .
قال القاضي أبو محمد : والزنا أصعب على الزوج من النشوز والأذى ، وكل ذلك فاحشة تحل أخذ المال ، وقرأ ابن مسعود : «إلا أن يفحشن وعاشروهن » .
قال القاضي أبو محمد : وهذا خلاف مفرط لمصحف الإمام ، وكذلك ذكر أبو عمرو عن ابن عباس وعكرمة وأبيّ بن كعب ، وفي هذا نظر ، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر «مبينة » و «آيات مبينَّات » بفتح الياء فيهما ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص والمفضل عن عاصم : «مبينة » و «مبيِّنات » - بكسر الياء فيهما ، وقرأ نافع وأبو عمرو : «مبيَّنة » بالكسر ، و «مبيَّنات » بالفتح - وقرأ ابن عباس : «بفاحشة مبينة » بكسر الباء وسكون الياء ، من أبان الشيء ، وهذه القراءات كلها لغات فصيحة ، يقال : بين الشيء وأبان : إذا ظهر ، وبان الشيء وبينته ، وقوله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } أمر للجميع ، إذ لكل أحد عشرة ، زوجاً كان أو ولياً ، ولكن المتلبس في الأغلب بهذا الأمر الأزواج ، والعشرة المخالطة والممازجة ، ومنه قول طرفة{[3912]} : [ الرمل ]
فَلَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةً *** لَعَلَى عَهْدٍ حبيب معتشر
جعل - الحبيب - جمعاً كالخليط والفريق ، يقال : عاشره معاشرة ، وتعاشر القوم واعتشروا ، وأرى اللفظة من أعشار الجزور ، لأنها مقاسمة ومخالطة ومخالقة جميلة ، فأمر الله تعالى الرجال بحسن صحبة النساء ، وإلى هذا ينظر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فاستمتع بها وفيها عوج »{[3913]} ، ثم أدب تعالى عباده بقوله : { فإن كرهتموهن } إلى آخر الآية : قال السدي : الخير الكثير في المرأة : الولد ، وقال نحوه ابن عباس .
قال القاضي أبو محمد : ومن فصاحة القرآن العموم الذي في لفظة< شيء> لأنه يطرد هذا النظر في كل ما يكرهه المرء مما يجمل الصبر عليه ، فيحسن الصبر ، إذ عاقبته إلى خير ، إذا أريد به وجه الله .