في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا} (38)

36

ولما كانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد فقد مضى القرآن يوكدها ؛ ويزيل عنصر الغرابة فيها ، ويردها إلى أصولها البسيطة المنطقية التاريخية :

( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ) . .

فقد فرض له أن يتزوج زينب ، وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الأدعياء . وإذن فلا حرج في هذا الأمر ، وليس النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فيه بدعا من الرسل .

( سنة الله في الذين خلوا من قبل ) . .

فهو أمر يمضي وفق سنة الله التي لا تتبدل . والتي تتعلق بحقائق الأشياء ، لا بما يحوطها من تصورات وتقاليد مصطنعة لا تقوم على أساس .

( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) . .

فهو نافذ مفعول ، لا يقف في وجهه شيء ولا أحد . وهو مقدر بحكمة وخبرة ووزن ، منظور فيه إلى الغاية التي يريدها الله منه . و يعلم ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها . وقد أمر الله رسوله أن يبطل تلك العادة ويمحو آثارها عمليا ، ويقرر بنفسه السابقة الواقعية . ولم يكن بد من نفاذ أمر الله .

وسنة الله هذه قد مضت في الذين خلوا من قبل من الرسل :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا} (38)

يقول تعالى : { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ } أي : فيما أحل له وأمره به من تزويج زينب التي طلقها دَعِيُّه زيد بن حارثة .

وقوله : { سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ } أي : هذا حكم الله في الأنبياء قبله ، لم يكن ليأمرهم بشيء وعليهم في ذلك حَرج ، وهذا رَدٌّ على مَنْ تَوَهَّم مِن المنافقين نقصًا في تزويجه امرأة زيد مولاه ودَعيه ، الذي كان قد تبناه .

{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا } أي : وكان أمره الذي يقدِّره كائنًا لا محالة ، وواقعًا لا محيد عنه ولا معدل ، فما شاء [ الله ]{[23537]} كان ، وما لم يشأ لم يكن .


[23537]:- زيادة من ت.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا} (38)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"ما كان على النبيّ من حرج": من إثم فيما أحلّ الله له من نكاح امرأة من تَبَنّاه بعد فراقه إياها...

وقوله: "سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِ "يقول: لم يكن الله تعالى لُيؤْثِم نبيه فيما أحلّ له، مثالَ فعله بمن قبله من الرسل الذين مضوا قبله في أنه لم يؤثمهم بما أحلّ لهم، لم يكن لنبيه أن يخشى الناس فيما أمره به أو أحله له...

وقوله: "وكانَ أمْرُ اللّهِ قَدَرا مَقْدُورا "يقول: وكان أمر الله قضاء مقضيا...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}. لا يُعَارَضُ ولا يُنَاقَضُ، ولا يُرَدُّ ولا يُجْحَد. وما كان على النبيِّ من حَرَجٍ بوجهٍ لكونه معصوماً...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَرَضَ الله لَهُ} قسم له وأوجب، من قولهم: فرض لفلان في الديوان كذا. ومنه فروض العسكر لرزقاتهم {سُنَّةَ الله}... كأنه قيل: سنّ الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين، وهو أن لا يحرج عليهم في الاقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و {أمر الله} في الآية أي مأمورات الله والكائنات عن أمره فهي مقدورة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{من حرج فيما فرض} أي قدر {الله} بما له من صفات الكمال وأوجبه {له} لأنه لم يكن على المؤمنين مطلقاً حرج في ذلك فكيف برأس المؤمنين، فصار منفياً عنه الحرج مرتين خصوصاً بعد عموم تشريفاً له وتنويهاً بشأنه.

{سنة الله} أي سن الملك الذي إذا سن شيئاً أتقنه بما له من العزة والحكمة فلم يقدر أحد أن يغير شيئاً منه.

{في الذين خلوا} وكأنه أراد أن يكون أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام أولى مراد بهذا، تبكيتاً لملبسي أتباعهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولما كانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد فقد مضى القرآن يوكدها؛ ويزيل عنصر الغرابة فيها، ويردها إلى أصولها البسيطة المنطقية التاريخية:

(ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له)..

فقد فرض له أن يتزوج زينب، وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الأدعياء. وإذن فلا حرج في هذا الأمر، وليس النبي [صلى الله عليه وسلم] فيه بدعا من الرسل.

(سنة الله في الذين خلوا من قبل)..

فهو أمر يمضي وفق سنة الله التي لا تتبدل. والتي تتعلق بحقائق الأشياء، لا بما يحوطها من تصورات وتقاليد مصطنعة لا تقوم على أساس.

(وكان أمر الله قدرا مقدورا)..

فهو نافذ مفعول، لا يقف في وجهه شيء ولا أحد. وهو مقدر بحكمة وخبرة ووزن، منظور فيه إلى الغاية التي يريدها الله منه. و يعلم ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها. وقد أمر الله رسوله أن يبطل تلك العادة ويمحو آثارها عمليا، ويقرر بنفسه السابقة الواقعية. ولم يكن بد من نفاذ أمر الله.

وسنة الله هذه قد مضت في الذين خلوا من قبل من الرسل:

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف لزيادة بيان مساواة النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في إباحة تزوج مطلقة دعيّه وبيان أن ذلك لا يخل بصفة النبوءة لأن تناول المباحات من سنة الأنبياء، قال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} [المؤمنون: 51]، وأن النبي إذا رام الانتفاع بمباح لميل نفسه إليه ينبغي له أن يتناوله لئلا يجاهد نفسه فيما لم يؤمر بمجاهدة النفس فيه، لأن الأليق به أن يستبقي عزيمته ومجاهدته لدفع ما أمر بتجنبه.

وفي هذا الاستئناف ابتداء لنقض أقوال المنافقين أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة ابنه.

ومعنى: {فرض الله له} قدّره، إذْ أَذِنَه بفعله. وتعدية فعل {فرض} باللام تدل على هذا المعنى بخلاف تعديته بحرف (على) كقوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} [الأحزاب: 50].

والسُّنَّة: السيرة من عمل أو خُلق يلازمه صاحبه. ومضى القول في هل السنة اسم جامد أو اسم مصدر عند قوله تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن} في سورة آل عمران (137)... فالتقدير: سَنّ الله سنته في الذين خلوا من قبل.

والمعنى: أن محمداً صلى الله عليه وسلم متَّبع سُنَّة الأنبياء الذين سبقوه اتباعاً لما فرض الله له كما فرض لهم، أي أباح.

والمراد ب {الذين خلوا}: الأنبياء بقرينة سياق لفظ النبي، أي الذين خلوا من قبل النبوءة، وقد زاده بياناً قوله: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه}، فالأنبياء كانوا متزوجين وكان لكثير منهم عدة أزواج، وكان بعض أزواجهم أحب إليهم من بعضهن.

فإن وقفنا عند ما جاء في هذه الآية وما بيّنته الآثار الصحيحة فالعبرة بأحوال جميع الأنبياء.