هذا الإيقاع القوي بحقيقة الألوهية وخصائصها ؛ وباستنكار الشرك والعودة إليه بعد الهدى ؛ وبمشهد الذي يرجع القهقري مرتدا عن دين الله ؛ وحيرته في التيه بلا اتجاه ؛ وبتقرير أن هدى الله وحده هو الهدى . . هذا الإيقاع يختم برنة عالية عميقة مدوية . عن سلطان الله المطلق ، في الأمر والخلق ؛ وعن انكشاف هذا السلطان وتفرده بالظهور - حتى للمنكرين المطموسين - ( يوم ينفخ في الصور ) ويبعث من في القبور ؛ ويستيقن من لم يكن يستيقن أن الملك لله وحده ، وأن إليه المصير :
( قل : أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ، ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، كالذي استهوته الشياطين في الأرض ، حيران ، له أصحاب يدعونه إلى الهدى . ائتنا . قل : إن هدى الله هو الهدى ، وأمرنا لنسلم لرب العالمين . وأن أقيموا الصلاة واتقوه ) . .
( قل ) . . الإيقاع القوي المتكرر في السورة ؛ الذي يوحي بأن هذا الأمر لله وحده ، وأن الرسول [ ص ] إنما هو منذر ومبلغ ؛ والذي يوحي بجلال هذا الأمر وعلويته ورهبته ؛ وأن الرسول [ ص ] إنما هو مأمور به من ربه .
( قل : أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ؟ ) . .
قل لهم يا محمد ما هم عليه من دعوة غير الله والاستعانة به وإسلام مقادهم لهؤلاء الذين يدعونهم من دونه ، وهم لا يملكون نفعا ولا ضرا . سواء كان ما يدعونه وثنا أو صنما ، حجرا أو شجرا ، روحا أم ملكا ، شيطانا أم إنسانا . . فكلهم سواء في أنهم لا ينفعون شيئا ولا يضرون . فهم أعجز من النفع والضر . وكل حركة إنما تجري بقدر من الله . فما لم يأذن به الله لا يكون ، ولا يكون إلا قدره وما جرى به قضاؤه من الأمور . .
قل لهم مستنكرا دعوة غير الله ، وعبادة غير الله ، والاستعانة بغير الله ، والخضوع لغير الله . وسخف هذا التصرف وهذا الاتجاه . . وسواء كان ذلك ردا على ما كان يقترحه المشركون على النبي [ ص ] من مشاركتهم عبادة آلهتهم ليشاركوه عبادة ربه ! أو كان ذلك استنكارا مبتدأ لما عليه المشركون ، وإعلانا للمفارقة والمفاصلة فيه من جانب النبي [ ص ] والمؤمنين . . فإن المؤدى في النهاية واحد ؛ وهو استنكار هذا السخف الذي يرفضه العقل البشري ذاته متى عرض له في النور ؛ بعيدا عن الموروثات الراسبة ، وبعيدا كذلك عن العرف السائد في البيئة !
ولتجسيم السخف وتضخيم الاستنكار يعرض هذه المعتقدات في ضوء ما هدى الله المسلمين إليه من عبادته وحده ، واتخاذه وحده إلها ، والدينونه له وحده بلا شريك : 1 ( قل : أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا ؟ . .
فهو ارتداد على الأعقاب ؛ ورجوع إلى الوراء ؛ بعد التقدم والارتقاء . .
ثم هذا المشهد الشاخص المتحرك الموحي المثير :
( كالذي استهوته الشياطين في الأرض ) ( . . حيران . . له أصحاب يدعونه إلى الهدى : ائتنًا ) . .
إنه مشهد حي شاخص متحرك للضلالة والحيرة التي تنتاب من يشرك بعد التوحيد ، ومن يتوزع قلبه بين الإله الواحد ، والآلهة المتعددة من العبيد ! ويتفرق إحساسه بين الهدى والضلال ، فيذهب في التيه . . إنه مشهد ذلك المخلوق التعيس : ( الذي استهوته الشياطين في الأرض )- ولفظ الاستهواء لفظ مصور بذاته لمدلوله - ويا ليته يتبع هذا الاستهواء في اتجاهه ، فيكون له اتجاه صاحب القصد الموحد - ولو في طريق الضلال ! -
ولكن هناك ، من الجانب الآخر ، أصحاب له مهتدون ، يدعونه إلى الهدى ، وينادون ( ائتنا )- وهو بين هذا الاستهواء وهذا الدعاء( حيران ) لا يدري أين يتجه ، ولا أي الفريقين يجيب !
إنه العذاب النفسي يرتسم ويتحرك ، حتى ليكاد يحس ويلمس من خلال التعبير !
ولقد كنت أتصور هذا المشهد وما يفيض به من عذاب الحيرة والتأرجح والقلقلة كلما قرآت هذا النص . . ولكن مجرد تصور . . حتى رأيت حالات حقيقية ، يتمثل فيها هذا الموقف ، ويفيض منها هذا العذاب . . حالات ناس عرفوا دين الله وذاقوه - أيا كانت درجة هذه المعرفة وهذا التذوق - ثم ارتدوا عنه إلى عبادة الآلهة الزائفة ، تحت قهر الخوف والطمع . . ثم إذا هم في مثل هذا البؤس المرير . . وعندئذ عرفت ماذا تعني هذه الحالة ، وماذا يعني هذا التعبير !
وبينما ظل المشهد الحي الشاخص المتحرك الموحي ، يغمر النفس بالوجل من هذا المصير التعيس . . يأتي التقرير الحاسم بالاتجاه الثابت المستقيم :
( قل : إن هدى الله هو الهدى ، وأمرنا لنسلم لرب العالمين ، وأن أقيموا الصلاة واتقوه )
إنه التقرير الحاسم في الظرف النفسي المناسب ، فالنفس التي ترتسم لها صورة الحيرة الطاغية ، والعذاب المرير من هذه الحيرة التي لا تستقر على قرار ، تكون أقرب ما تكون إلى استقبال القرار الحاسم بالراحة والتسليم . .
ثم إنه الحق في ذلك التقرير الحاسم :
( قل : إن هدى الله هو الهدى ) . .
هو وحدة الهدى - كما يفيد التركيب البياني للجملة - وإنه لكذلك عن يقين . .
وإن البشرية لتخبط في التيه ، كلما تركت هذا الهدى ، أو انحرفت عن شيء منه واستبدلت به شيئا من تصوراتها هي ومقولاتها ، وأنظمتها وأوضاعها ، وشرائعها وقوانينها ، وقيمها وموازينها ، بغير( علم )ولا( هدى )ولا ( كتاب منير ) . .
إن " الإنسان " موهوب من الله القدرة على تعرف بعض نواميس الكون وبعض طاقاته وقواه ، للانتفاع بها في الخلافة في الأرض ، وترقية هذه الحياة . . ولكن هذا الإنسان ذاته غير موهوب من الله القدرة على استكناه الحقائق المطلقة في هذا الكون ، ولا على الإحاطة بأسرار الغيوب التي تلفه من كل جانب ، ومنها غيب عقله هو وروحه ، بل غيب وظائف جسمه والأسباب الكامنة وراء هذه الوظائف ، والتي تدفعها للعمل هكذا ، وبهذا الانتظام ، وفي هذا الاتجاه .
ومن ثم يحتاج هذا " الإنسان " إلى هدى الله في كل ما يختص بكينونته وحياته من عقيدة وخلق ، وموازين وقيم ، وأنظمة وأوضاع ، وشرائع وقوانين تحكم هذه الكينونة وتنظم لها واقع الحياة . .
وكلما فاء هذا " الإنسان " إلى هدى الله اهتدى . لأن هدى الله هو الهدى . وكلما بعد كلية عنه ، أو انحرف بعض الانحراف واستبدل به شيئا من عنده ضل . لأن ما ليس من هدى الله فهو ضلال . . إذ ليس هنالك نوع ثالث ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ ) .
ولقد ذاقت البشرية من ويلات هذا الضلال - وما تزال كلها تذوق - ما هو " حتمي " في تاريخ البشرية حين تنحرف عن هدى الله . . فهذه هي " الحتمية التاريخية " الوحيدة المستيقنة لأنها من أمر الله ، ومن خبر الله ، لا تلك الحتميات المدعاة ! والذي يريد أن يتملى شقاء البشرية في انحرافها عن هدى الله ، لا يحتاج أن ينقب ، فهو حوله في كل أرض تراه الأعين وتلمسه الأيدي ، ويصرخ منه العقلاء في كل مكان .
ومن ثم يستطرد السياق في الآية ليقرر ضرورة الاستسلام لله وحده ، وعبادته وحده ، ومخافته وتقواه : ( وأمرنا لنسلم لرب العالمين ، وأن أقيموا الصلاة واتقوه ) . .
قل يا محمد وأعلن أن هدى الله هو الهدى ؛ وأننا - من ثم - أمرنا أن نسلم لرب العالمين . فهو وحده الذي يستسلم له العالمون . فالعوالم كلها مستسلمة له ، فماذا الذي يجعل الإنسان وحده - من بين العالمين - يشذ عن الاستسلام لهذه الربوبية الشاملة التي تستسلم لها العوالم في السماوات والأرضين ؟
إن ذكر الربوبية للعالمين هنا له موضعه . . إنه يقرر الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف بها وهي استسلام الوجود كله ، وما فيه من عوالم مشهودة ومغيبة ، للنواميس التي وضعها الله لها ؛ وهي لا تملك الخروج عليها ، والإنسان - من ناحية تركيبه العضوي - يستسلم كذلك لهذه النواميس كرها ، ولا يملك الخروج عليها . . فلا يبقى إلاأن يستسلم في الجانب الذي ترك له الخيار فيه ليبتلى فيه ، وهو جانب الاختيار . . اختيار الهدى أو الضلال . . ولو استسلم فيه استسلام كيانه العضوي ، لاستقام أمره ، وتناسق تكوينه وسلوكه ، وجسمه وروحه ، ودنياه وآخرته
وفي إعلان الرسول [ ص ] والمسلمين معه ، أنهم أمروا بالاستسلام فاستسلموا ، إيحاء مؤثر لمن يفتح الله قلبه للتلقي والاستجابة على مدى الزمان .
قال السُّدِّي : قال المشركون للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا ، واتركوا دين محمد ، فأنزل الله ، عَزَّ وجل : { قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا } أي : في الكفر { بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ } فيكون مثلُنا مثل الذي { اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ [ حَيْرَانَ ] }{[10834]} يقول : مثلكم ، إن كفرتم بعد الإيمان ، كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضل الطريق ، فحيرته الشياطين ، واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم يقولون : " ائتنا فَإنَّا على الطريق " ، فأبى أن
يأتيهم . فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق ، والطريق هو الإسلام . رواه ابن جرير .
وقال قتادة : { اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ } أضلته في الأرض ، يعني : استهوته{[10835]} مثل قوله : { تَهْوِي إِلَيْهِمْ } [ إبراهيم : 37 ] .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا } الآية . هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها ، والدعاة الذين يدعون إلى الله ، عَزَّ وجل ، كمثل رجل ضل عن طريق تائها ضالا إذ ناداه مناد : " يا فلان بن فلان ، هلم إلى الطريق " ، وله أصحاب يدعونه : " يا فلان ، هلم إلى الطريق " ، فإن اتبع الداعي الأول ، انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة{[10836]} وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى ، اهتدى إلى الطريق . وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان ، يقول : مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله ، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت ، فيستقبل الهلكة والندامة . وقوله : { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ } هم " الغيلان " ، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده ، فيتبعها وهو يرى أنه في شيء ، فيصبح وقد ألقته في هلكة ، وربما أكلته - أو تلقيه في مضلة من الأرض ، يهلك فيها عطشا ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله ، عَزَّ وجل . رواه ابن جرير .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ } قال : رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق ، وذلك مثل من يضل بعد أن هدي .
وقال العَوْفي ، عن ابن عباس ، قوله : { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ } هو الذي لا يستجيب لهدى الله ، وهو رجل أطاع الشيطان ، وعمل في الأرض بالمعصية ، وجار{[10837]} عن الحق وضل عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ، ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس ، يقول [ الله ]{[10838]} { إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } والضلال ما يدعو إليه الجن . رواه ابن جرير ، ثم قال : وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ، ويزعمون أنه هدى . قالت : وهذا خلاف ظاهر الآية ؛ فإن الله أخبر أن أصحابه يدعونه إلى الهدى ، فغير جائز أن يكون ضلالا وقد أخبر الله أنه هدى .
وهو كما قال ابن جرير ، وكان{[10839]} سياق الآية يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، وهو منصوب على الحال ، أي : في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجة ، وله أصحاب على المحجة سائرون ، فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى . وتقدير الكلام : فيأبى عليهم ولا يلتفت إليهم ، ولو شاء الله لهداه ، ولرد به إلى الطريق ؛ ولهذا قال : { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى }
كما قال : { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ }{[10840]} [ الزمر : 37 ] ، وقال : { إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [ النحل : 37 ] ، وقوله { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } أي : نخلص له العباد{[10841]} وحده لا شريك له .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرّنَا وَنُرَدّ عَلَىَ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ } . .
وهذا تَنبيه من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم على حجته على مشركي قومه من عبدة الأوثان ، يقول له تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأنداد والاَمرين لك باتباع دينهم وعبادة الأصنام معهم ، أندعو من دون الله حجرا أو خشبا لا يقدر على نفعنا أو ضرّنا ، فنخصه بالعبادة دون الله ، وندع عبادة الذي بيده الضرّ والنفع والحياة والموت ، إن كنتم تعقلون فتميزون بين الخير والشرّ ، فلا شكّ أنكم تعلمون أن خدمة ما يرتجى نفعه ويرهب ضرّه أحقّ وأولى وأولى من خدمة من لا يرجى نفعه ولا يخشى ضرّه . ونُرَدّ على أَعْقَابِنَا يقول : ونردّ إلى أدبارنا فنرجع القهقري خلفنا لم نظفر بحاجتنا . وقد بينا معنى الردّ على العقب ، وأن العرب تقول لكلّ طالب حاجة لم يظفر بها ردّ على عقبيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وإنما يراد به في هذا الموضع : ونرد من الإسلام إلى الكفر بعد إذ هدانا الله فوفقنا له ، فيكون مثَلنا في ذلك مثَل الرجل الذي اسْتتبعه الشيطان يهوى في الأرض حيران . وقوله : اسْتَهْوَتْهُ : استفعلته ، من قول القائل : هوى فلان إلى كذا يهوي إليه ، ومن قول الله تعالى ذكره : فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ بمعنى : تنزع إليهم وتريدهم . وأما حيران : فإنه فعلان من قول القائل : قد حار فلان في الطريق فهو يحار فيه حَيْرةً وحَيَرانا وحَيْرُورَةً ، وذلك إذا ضلّ فلم يهتد للمحجة له أصحاب يدعونه إلى الهدى ، يقول : لهذا الحيران الذي قد استهوته الشياطين في الأرض أصحاب على المحجة واستقامة السبيل ، يدعونه إلى المحجة لطريق الهدى الذي هم عليه ، يقولون له : ائتنا وترك إجراء حيران ، لأن «فعلان » ، وكل اسم كان على «فعلان » مما أنثاه «فعلى » فإنه لا يُجرى في كلام العرب في معرفة ولا نكرة . وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن كفر بالله بعد إيمانه فاتبع الشياطين من أهل الشرك بالله وأصحابه الذين كانوا أصحابه في حال إسلامه المقيمون على الدين الحقّ يدعونه إلى الهدى الذي هم عليه مقيمون والصواب الذي هم به متمسكون ، وهو له مفارق وعنه زائل ، يقولون له : ائْتنا ، فكن معنا على استقامة وهدى وهو يأبى ذلك ، ويتبع دواعي الشيطان ويعبد الاَلهة والأوثان .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل ، وخالف في ذلك جماعة . ذكر من قال ذلك : مثل ما قلنا
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قُلْ أنَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرّنا وَنُرَدّ على أعْقابِنا بَعْدَ إذْ هَدَانا اللّهُ كالّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشّياطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أصحَابٌ يَدْعُونَهُ إلى الهُدَى ائْتِنا قال : قال المشركون للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا ولا يضرّنا هذه الاَلهة ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، فيكون مثلنا كمثل الذي استهوته الشياطين في الأرض ، يقول : مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان كمثل رجل كان مع قوم على الطريق ، فضلّ الطريق ، فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق ، فجعلوا يدعونه إليهم ، يقولون ائتنا فإنا على الطريق ، فأبى أن يأتيهم . فذلك مثل من يتبعكم بعد المعرفة بمحمد ، ومحمد الذي يدعو إلى الطريق ، والطريق هو الإسلام .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : أنَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرّنا وَنُرَدّ على أعْقابِنا قال : هذا مثل ضربه الله للاَلهة ومن يدعو إليها وللدعاة الذين يدعون إلى الله ، كمثل رجل ضلّ عن الطريق ، إذ ناداه مناد : يا فلان ابن فلان هلمّ إلى الطريق وله أصحاب يدعونه : يا فلان هلمّ إلى الطريق فإن اتبع الداعي الأوّل انطلق به حتى يلقيه في الهلكة ، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق ، وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان ، يقول : مثل من يعبد هؤلاء الاَلهة من دون الله ، فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الهلكة والندامة . وقوله : كالّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشّياطِينُ فِي الأرْضِ : وهم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه واسم جدّه ، فيتبعها فيرى أنه في شيء فيصبح وقد ألقته في الهلكة وربما أكلته ، أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا ، فهذا مثل من أجاب الاَلهة التي تعبد من دون الله عزّ وجلّ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : اسْتَهْوَتْهُ الشّياطِينُ فِي الأرْضِ قال : أضلته في الأرض حيران .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرّنا قال : الأوثان .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : اسْتَهْوَتْهُ الشّياطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ قال : رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق ، كذلك مثل من يضلّ بعد إذ هدى .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : حدثنا رجل ، عن مجاهد ، قال : حيران هذا مثل ضربه الله للكافر ، يقول : الكافر حيران يدعوه المسلم إلى الهدى فلا يجيب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ أنَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرّنا حتى بلغ : لِنُسْلِمَ لِرَبّ العالَمِينَ علّمها الله محمدا وأصحابه يخاصمون بها أهل الضلالة .
وقال آخرون في تأويل ذلك ، بما :
حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : كالّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشّياطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أصحَابٌ يَدْعُونَهُ إلى الهُدَى فهو الرجل الذي لا يستجيب لهدى الله ، وهو رجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وحار عن الحقّ وضلّ عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ويزعمون أن الذي يأمرونه هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس : إن الهدى هدى الله ، والضلالة ما تدعو إليه الجنّ .
فكأن ابن عباس على هذه الرواية يرى أن أصحاب هذا الحيران الذين يدعونه إنما يدعونه إلى الضلال ويزعمون أن ذلك هدى ، وأن الله أكذبهم بقوله : قُلْ إنّ هُدَى اللّهِ هُوَ الهُدَى لا ما يدعوه إليه أصحابه .
وهذا تأويل له وجه لو لم يكن الله سمى الذي دعا الحيران إليه أصحاب هدى ، وكان الخبر بذلك عن أصحابه الدعاة له إلى ما دعوه إليه ، أنهم هم الذين سموه ، ولكن الله سماه هدى ، وأخبر عن أصحاب الحيران أنهم يدعونه إليه . وغير جائز أن يسمي الله الضلال هدى لأن ذلك كذب ، وغير جائز وصف الله بالكذب لأن ذلك وصفه بما ليس من صفته . وإنما كان يجوز توجيه ذلك إلى الصواب لو كان ذلك خبرا من الله عن الداعي الحيران أنهم قالوا له : تعال إلى الهدى فأما وهو قائل : يدعونه إلى الهدى ، فغير جائز أن يكون ذلك وهم كانوا يدعونه إلى الضلال .
وأما قوله : ائْتِنا فإن معناه : يقولون : ائتنا هلمّ إلينا فحذف القول لدلالة الكلام عليه . وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك : «يدعونه إلى الهدى بينا » .
حدثنا بذلك ابن وكيع ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : قراءة عبد الله : «يدعونه إلى الهدى بينا » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : في قراءة ابن مسعود : «لهُ أصحابٌ يدعونهُ إلى الهدَى بينا » . قال : الهدى : الطريق ، أنه بين .
وإذا قرىء ذلك كذلك ، كان البين من صفة الهدى ، ويكون نصب البين على القطع من الهدى ، كأنه قيل : يدعونه إلى الهدى البين ، ثم نصب «البين » لما حذفت الألف واللام ، وصار نكرة من صفة المعرفة . وهذه القراءة التي ذكرناها عن ابن مسعود تؤيد قول من قال : الهدى في هذا الموضع : هو الهدى ، على الحقيقة .
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إنّ هُدَى اللّهِ هُوَ الهُدَى وأُمِرْنا لَنُسْلِمَ لِرَبّ العالَمِينَ .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان القائلين لأصحابك : اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم فإنا على هدى : ليس الأمر كما زعمتم إنّ هُدَى اللّهِ هُو الهدَى يقول : إن طريق الله الذي بينه لنا وأوضحه وسبيلنا الذي أمرَنا بلزومه ودينه الذي شرعه لنا فبينه ، هو الهدى والاستقامة التي لا شكّ فيها ، لا عبادة الأوثان والأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع ، فلا نترك الحقّ ونتبع الباطل . وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبّ العالَمِينَ يقول : وأمرنا ربنا وربّ كلّ شيء ، تعالى وجهه ، لنسلم له : لنخضع له بالذلة والطاعة والعبودية ، فنخلص ذلك له دون ما سواه من الأنداد والاَلهة . وقد بينا معنى الإسلام بشواهده فيما مضى من كتابنا بما أغنى عن إعادته ، وقيل : وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ بمعنى : وأمرنا كي نسلم ، وأن نسلم لربّ العالمين ، لأن العرب تضع «كي » واللام التي بمعنى «كي » مكان «أن » و «أن » مكانها .
{ قل أندعو } أنعبد . { من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } ما لا يقدر على نفعنا وضرنا . { ونرد على أعقابنا } ونرجع إلى الشرك . { بعد إذ هدانا الله } فأنقذنا منه ورزقنا الإسلام . { كالذي استهوته الشياطين } كالذي ذهبت به مردة الجن في المهامة ، استفعال من هوى يهوي هويا إذا ذهب . وقرأ حمزة " استهواه " بألف ممالة ومحل الكاف النصب على الحال من فاعل { نرد } أي : مشبهين الذين استهوته ، أو على المصدر أي ردا مثل رد الذي استهوته . { في الأرض حيران } متحيرا ضالا عن الطريق . { له أصحاب } لهذا المستهوى رفقه . { يدعونه إلى الهدى } إلى أن يهدوه الطريق المستقيم ، أو إلى الطريق المستقيم وسماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر . { ائتنا } يقولون له ائتنا . { قل إن هدى الله } الذي هو الإسلام . { هو الهدى } وحده وما عداه ضلال . { وأمرنا لنسلم لرب العالمين } من جملة المقول عطف على أن هدى الله ، واللام التعليل الأمر أي أمرنا بذلك لنسلم . وقيل هي بمعنى الباء وقيل هي زائدة .
المعنى : قل في احتجاجك : أنطيع رأيكم في أن ندعو من دون الله ، والدعاء يعم العبادة وغيرها لأن من جعل شيئاً موضع دعائه فإياه يعبد وعليه يتكل { ما لا ينفعنا ولا يضرنا } يعني الأصنام ، إذ هي جمادات : حجارة وخشب ونحوه ، وضرر الأصنام في الدين لا يفهمه الكفار فلذلك قال : { ولا يضرنا } إنما الضرر الذي يفهمونه من نزول المكاره الدنياوية . { ونرد على أعقابنا } تشبيه ، وذلك أن المردود على العقب هو أن يكون الإنسان يمشي قدماً— وهي المشية الجيدة— فيرد يمشي القهقرى—وهي المشية الدنية— فاستعمل المثل بها فيمن رجع من خير إلى شر ، ووقعت في هذه الآية في تمثيل الراجع من الهدي إلى عبادة الأصنام ، و { هدانا } بمعنى أرشدنا ، قال الطبري وغيره الرد على العقب يستعمل فيمن أمل أمراً فخاب أمله .
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول قلق وقوله تعالى : { كالذي استهوته الشياطين } الآية الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف تقديره رداً كرد الذي ، و { استهوته } استفعلته بمعنى استدعت هواه وأمالته ، قال أبو عبيدة : ويحتمل ُهِوَّيه وهو جده وركوب رأسه في النزوع إليهم ، والهوى من هوى يهوى يستعمل في السقوط من علو إلى أسفل ، ومنه قول الشاعر :
هوى ابْنِي مِنْ دَار أشرف . . . فَزَلَّتْ رِجُلُهُ ويَدُه
وهذا المعنى لا مدخل له في هذه الآية إلا أن تتأول اللفظة بمعنى ألقته الشياطين في هوة ، وقد ذهب إليه أبو علي وقال : هو بمعنى أهوى كما أن استزل بمعنى أزل .
قال القاضي أبو محمد : والتحرير : أن العرب تقول : هوى وأهواه غيره واستهواه بمعنى طلب منه أن يهوي هو أو طلب منه أن يهوي شيئاً ، ويستعمل الهوى أيضاً في ركوب الرأس في النزوع إلى الشيء ومنه قوله تعالى : { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم }{[4968]} ، ومنه قول شاعر الجن : [ السريع ]
تهوي إلى مَكّةَ تَبْغي الهُدَى . . . ما مؤمنُ الجِنّ كأنجاسِها{[4969]}
وهذا المعنى هو الذي يليق بالآية ، وقرأ الجمهور من الناس «استهوته الشياطين » وقرأ الحسن «استهوته الشياطون » . وقال بعض الناس : هو لحن ، وليس كذلك بل هو شاذ قبيح وإنما هو محمول على قولهم ، سنون وأرضون إلا أن هذه في جمع مسلم وشياطون في جمع مكسر فهذا موضع الشذوذ ، وقرأ حمزة «استهواه الشياطين » وأمال استهواه ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعمش وطلحة «استهويه الشيطان » بالياء وإفراد الشيطان ، وذكر الكسائي أنها كذلك في مصحف ابن مسعود ، وقوله : { في الأرض } يحكم بأن { استهوته } إنما هو بمعنى استدعت هويه الذي هو الجد في النزوع و { حيران } في موضع الحال ، ومؤنثه حيرى فهو لا ينصرف في معرفة ولا نكرة ، ومعناه ضالاً متحيراً وهو حال من الضمير في { استهوته } والعامل فيه { استهوته } ، ويجوز أن يكون من الذي والعامل فيه المقدر بعد الكاف ، وقوله { استهوته } يقتضي أنه كان على طريق فاستدعته .
قال القاضي أبو محمد : فسياق هذا المثل كأنه قال أيصلح أن يكون بعد الهدي نعبد الأصنام فيكون ذلك منا ارتداداً على العقب فيكون كرجل على طريق واضح فاستهوته عنه الشياطين فخرج عنه إلى دعوتهم فبقي حائراً وقوله : { وله أصحاب } يحتمل أن يريد له أصحاب على الطريق الذي خرج منه فيشبه بالأصحاب على هذا المؤمنون الذين يدعون من ارتد إلى الرجوع إلى الهدى ، وهذا تأويل مجاهد وابن عباس ويحتمل أن يريد له أصحاب أي من الشياطين الدعاة أولاً يدعونه إلى الهدى بزعمهم وإنما يوهمونه فيشبه بالأصحاب على هذا الكفرة الذين يثبتون من ارتد عن الإسلام على ارتداده ، وروي هذا التأويل عن ابن عباس أيضاً ، و { ائتنا } من الإتيان بمعنى المجيء ، وفي مصحف عبد الله «إلى الهدى بيناً »{[4970]} وهذه تؤيد تأويل من تأول الهدى حقيقة إخبار من الله ، حكى مكي وغيره أن المراد ب «الذي » في هذه الآية عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق و ب «الأصحاب » أبوه وأمه .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لأن في الصحيح أن عائشة رضي الله عنها لما سمعت قول قائل : إن قوله تعالى : { والذي قال لوالديه أف لكما }{[4971]} نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قالت : كذبوا والله ما نزل فينا من القرآن شيء إلا براءتي .
قال القاضي أبو محمد : حدثني أبي رضي الله عنه قال : سمعت الفقيه الإمام أبا عبد الله المعروف بالنحوي المجاور بمكة يقول : من نازع أحداً من الملحدة فإنما ينبغي أن يرد عليه وينازعه بالقرآن والحديث فيكون كمن يدعو إلى الهدى بقوله : { ائتنا } ، ومن ينازعهم بالجدل ويحلق عليهم به فكأنه بعد عن الطريق الواضح أكثر ليرد هذا الزائغ فهو يخاف عليه أن يضل .
قال القاضي أبو محمد : وهذا انتزاع حسن جداً ، وقوله تعالى : { قل إن هدى الله } الآية ، من قال إن «الأصحاب » هم من الشياطين المستهزئين وتأول إلى الهدى بزعمهم قال : إن قوله : { قل إن هدى الله هو الهدى } رد عليهم في زعمهم فليس ما زعموه صحيحاً وليس بهدي بل هو نفسه كفر وضلال ، وإنما الهدى هدى الله وهو الإيمان ، ومن قال : إن «الأصحاب » هم على الطريق المدعو إليها وإن المؤمنين الداعين للمرتدين شبهوا بهم وإن الهدى هو هدى على حقيقته يجيء على قوله : { قل إن هدى الله } بمعنى أن دعاء الأصحاب وإن كان إلى هدى فليس بنفس دعائهم تقع الهداية وإنما يهتدي بذلك الدعاء من هداه الله تعالى بهداه ، { وأمرنا لنسلم } اللام لام كي{[4972]} ومعها أن مقدرة ، ويقدر مفعول ل { أمرنا } مضمر تقديره وأمرنا بالإخلاص أو بالإيمان ونحو هذا ، فتقدير الجملة كلها وأمرنا بالإخلاص لأن نسلم ، ومذهب سيبويه في هذه أن { لنسلم } هو موضع المفعول وأن قولك : أمرت لأقوم وأمرت أن أقوم يجريان سواء ومثله قول الشاعر : [ الطويل ]
أردت لأنسى ذكرها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[4973]}