في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

ثم باعوه بثمن قليل :

( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) . . وكانوا يتعاملون في القليل من الدراهم بالعد ، وفي الكثير منها بالوزن .

( وكانوا فيه من الزاهدين ) . .

لأنهم يريدون التخلص من تهمة استرقاقه وبيعه . .

وكانت هذه نهاية المحنة الأولى في حياة النبي الكريم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

وقوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } يقول تعالى : وباعه إخوته بثمن قليل ، قاله مجاهد وعِكْرِمة .

والبخس : هو النقص ، كما{[15096]} قال تعالى : { فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا } [ الجن : 13 ] أي : اعتاض عنه إخوته بثمن دُونٍ قليل ، وكانوا مع ذلك فيه من الزاهدين ، أي : ليس لهم رغبة فيه ، بل لو سألوه{[15097]} بلا شيء لأجابوا .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : إن الضمير في قوله : { وَشَرَوْهُ } عائد على إخوة يوسف .

وقال قتادة : بل هو عائد على السيارة .

والأول أقوى ؛ لأن قوله : { وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ } إنما أراد إخوته ، لا أولئك السيارة ؛ لأن السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة ، ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه ، فيرجح من هذا أن الضمير في { وَشَرَوْهُ } إنما هو لإخوته .

وقيل : المراد بقوله : { بَخْسٍ } الحرام . وقيل : الظلم . وهذا وإن كان كذلك ، لكن ليس هو المراد هنا ؛ لأن هذا معلوم يعرفه كل أحد أن ثمنه حرام على كل حال ، وعلى كل أحد ، لأنه نبي ابن نبي ، ابن نبي ، ابن خليل الرحمن ، فهو الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، وإنما المراد هنا بالبخس الناقص أو الزيوف أو كلاهما ، أي : إنهم إخوته ، وقد باعوه ومع هذا بأنقص الأثمان ؛ ولهذا قال : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } فعن ابن مسعود باعوه بعشرين درهما ، وكذا قال ابن عباس ، ونَوْف البَكَالي ، والسُّدِّي ، وقتادة ، وعطية العَوْفي وزاد : اقتسموها درهمين درهمين .

وقال مجاهد : اثنان وعشرون درهما .

وقال محمد بن إسحاق وعِكْرِمة : أربعون درهمًا .

وقال الضحاك في قوله : { وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ } وذلك أنهم لم يعلموا نبوته

ومنزلته عند الله عز وجل .

وقال مجاهد : لما باعوه جعلوا يتبعونهم ويقولون لهم : استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوه بمصر ، فقال : من يبتاعني وليبشر ؟ فاشتراه الملك ، وكان مسلمًا .


[15096]:- في ت : "وكما".
[15097]:- في أ : "لو سئلوا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ( 20 ) } .

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : { وشروه } به : وباع إخوة يوسف يوسف .

فأما إذا أراد الخبر عن أنه ابتاعه ، قال : " اشتريته " ، ومنه قول ابن مفرّغ الحميري :

وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي*** مِنْ قَبْلِ بُرْدٍ كنْتُ هَامَهْ

يقول : " بعت بردًا " ، وهو عبدٌ كان له .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، أنه كره الشراء والبيع للبدويّ . قال : والعرب تقول : " اشر لي كذا وكذا " ، أي : بع لي كذا وكذا ، وتلا هذه الآية : { وشروه بثمن بخس دراهم معدودة } ، يقول : باعوه ، وكان بيعه حرامًا .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إخوة يوسف أحد عشر رجلا باعوه حين أخرجَه المدلي بدلوه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ،

وحدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

. . . . قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : { وشروه } ، قال : قال ابن عباس : فبيع بينهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وشروه بثمن بخس } ، قال : باعوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فباعه إخوته بثمن بخس .

وقال آخرون : بل عنى بقوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } : السيارة أنهم باعوا يوسف بثمن بخس . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، وهم السيارة الذين باعوه .

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : تأويل ذلك : وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس ، وذلك أن الله عزّ وجلّ قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرّوا شراء يوسف من أصحابهم خيفة أن يستشركوهم بادعائهم أنه بضاعة ، ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يخلص لهم دونهم ، واسترخاصا لثمنه الذي ابتاعه به ، لأنهم ابتاعوه ، كما قال جلّ ثناؤه ، { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } . ولو كان مبتاعوه من إخوته فيه من الزاهدين لم يكن لقيلهم لرفقائهم : " هو بضاعة " ، معنى ، ولا كان لشرائهم إياه وهم فيه من الزاهدين وجه ، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبا على عقولهم ؛ لأنه محال أن يشترى صحيح العقل ما هو فيه زاهد من غير إكراه مكره له عليه ، ثم يكذب في أمره الناس بأن يقول : هو بضاعة لم أشتره مع زهده فيه ، بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنين لنفاستها عنده ، ولما يرجو من نفيس الثمن لها وفضل الربح .

وأما قوله : { بَخْسٍ } ، فإنه يعني : نقص ، وهو مصدر من قول القائل : بَخِسْتُ فلانا حقه : إذا ظلمته ، يعني : ظلمه فنقصه عما يجب له من الوفاء ، أبْخَسُهُ بخسا ومنه قوله : { وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ } . وإنما أريد بثمن مبخوس : منقوص ، فوضع البخس وهو مصدر مكان مفعول ، كما قيل : { بِدَمٍ كَذِبٍ } ، وإنما هو بدم مكذوب فيه .

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : قيل : { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ؛ لأنه كان حراما عليهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : البخس : الحرام .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : كان ثمنه بخسا : حراما ، لم يحلّ لهم أن يأكلوه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : باعوه بثمن بخس ، قال : كان بيعه حراما ، وشراؤه حراما .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : حرام .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، يقول : لم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنه .

وقال آخرون : معنى البخس هنا : الظلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : البخس : هو الظلم ، وكان بيع يوسف وثمنه حراما عليهم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال قتادة : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } ، قال : ظلم .

وقال آخرون : عُني بالبخس في هذا الموضع : القليل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن قيس ، عن جابر ، عن عامر ، قال : البخس : القليل .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن عكرمة ، مثله .

وقد بيّنا الصحيح من القول في ذلك .

وأما قوله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، فإنه يعني عز وجلّ : أنهم باعوه بدراهم غير موزونة ناقصة غير وافية لزهدهم كان فيه . وقيل : إنما قيل معدودة ليعلم بذلك أنها كانت أقلّ من الأربعين ، لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهما ، لأن أقلّ أوزانهم وأصغرها كان الأوقية ، وكان وزن الأوقية أربعين درهما . قالوا : وإنما دلّ بقوله : { مَعْدُودَةٍ } ، على قلة الدراهم التي باعوه بها ، فقال بعضهم : كان عشرين درهما . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : إن ما اشتري به يوسف عشرون درهما .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : عشرون درهما .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف البكالي ، في قوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : عشرون درهما .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع : وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن نوف البكالي : { بَخْسٍ دَرَاهِمَ } ، قال : كانت عشرين درهما .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحِمّانيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن نوف ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله : { بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : عشرون درهما .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : كانت عشرين درهما .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أنه بيع بعشرين درهما ، وكانوا فيه من الزاهدين .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي إدريس ، عن عطية ، قال : كانت الدراهم عشرين درهما اقتسموها درهمين درهمين .

وقال آخرون : بل كان عددها اثنين وعشرين درهما ، أخذ كلّ واحد من إخوة يوسف وهم أحد عشر رجلاً درهمين درهمين منها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : اثنين وعشرين درهما .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : اثنان وعشرون درهما لإخوة يوسف أحد عشر رجلاً .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَة }ٍ .

قال : وثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

وقال آخرون : بل كانت أربعين درهما . ذكر من قال ذلك :

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن جابر ، عن عكرمة : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، قال : أربعين درهما .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : باعوه ولم يبلغ ثمنه الذي باعوه به أوقية ، وذلك أن الناس كانوا يتبايعون في ذلك الزمان بالأواقي ، فما قصر عن الأوقية فهو عدد ، يقول الله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، أي : لم يبلغ الأوقية .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعوه بدراهم معدودة غير موزونة ، ولم يحَدّ مبلغ ذلك بوزن ولا عدد ، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد يحتمل أن يكون كان عشرين ، ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين ، وأن يكون كان أربعين ، وأقلّ من ذلك وأكثر ، وأيّ ذلك كان فإنها كانت معدودة غير موزونة وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في ديِن ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه ، والإيمان بظاهر التنزيل فرض ، وما عداه فموضوع عنا تكلّف علمه .

وقوله : { وكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ } ، يقول تعالى ذكره : وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين ، لا يعلمون كرامته عند الله ، ولا يعرفون منزلته عنده ، فهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بينه وبين والده ليخلو لهم وجهه منه ، ويقطعوه عن القرب منه لتكون المنافع التي كانت مصروفة إلى يوسف دونهم مصروفة إليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي مرزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ } ، قال : لم يعلموا بنبوّته ومنزلته من الله .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، في قوله : { وَجاءَتْ سَيّارَةٌ } ، فنزلت على الجبّ ، { فأرْسَلُوا وَارِدَهُمْ } ، فاستقى من الماء ، فاستخرج يوسف ، فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه ، فزهدوا فيه ، فباعوه ، وكان بيعه حراما ، وباعوه بدراهم معدودة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { وكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ } ، قال : إخوته زهدوا ، فلم يعلموا منزلته من الله ونبوّته ومكانه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : إخوته زهدوا فيه ، لم يعلموا منزلته من الله عزّ وجلّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۭ بَخۡسٖ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّـٰهِدِينَ} (20)

{ وشروه } وباعوه ، وفي مرجع الضمير الوجهان أو اشتروه من إخوته . { بثمن بخس } مبخوس لزيفه أو نقصانه . { دارهم } بدل من الثمن . { معدودة } قليلة فإنهم يزنون ما بلغ الأوقية ويعدمون ما دونها . قيل كان عشرين درهما وقيل كان اثنين وعشرين درهما . { وكانوا فيه } في يوسف . { من الزّاهدين } الراغبين عنه والضمير في { وكانوا } إن كان للإخوة فظاهر وإن كان للرفقة بائعين فزهدهم فيه ، لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به خائف من انتزاعه مستعجل في بيعه ، وإن كانوا مبتاعين فلأنهم اعتقدوا أنه آبق وفيه متعلق بالزاهدين إن جعل اللام للتعريف ، وإن جعل بمعنى الذي فهو متعلق بمحذوف بينه الزاهدين لأن متعلق الصلة لا يتقدم على الموصول .