في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

58

فأما الذين يقع عليهم العدوان من البشر فقد لا يحلمون ولا يصبرون ، فيردون العدوان ، ويعاقبون بمثل ما وقع عليهم من الأذى . فإن لم يكف المعتدون ، وعاودوا البغي على المظلومين تكفل الله عندئذ بنصر المظلومين على المعتدين :

( ذلك . ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله . إن الله لعفو غفور )وشرط هذا النصر أن يكون العقاب قصاصا على اعتداء لا عدوانا ولا تبطرا ؛ وألا يتجاوز العقاب مثل ما وقع من العدوان دون مغالاة .

ويعقب على رد الاعتداء بمثله بأن الله عفو غفور . فهو الذي يملك العفو والمغفرة . أما البشر فقد لا يعفون ولا يغفرون ، وقد يؤثرون القصاص ورد العدوان . وهذا لهم بحكم بشريتهم ولهم النصر من الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

وقوله : { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ } ، ذكر{[20395]} مقاتل بن حيان وابن جريج أنها نزلت في سرية من الصحابة ، لقوا جمعًا من المشركين في شهر محرم ، فناشدهم المسلمون لئلا يقاتلوهم في الشهر الحرام ، فأبى المشركون إلا قتالهم وبغوا عليهم ، فقاتلهم المسلمون ، فنصرهم الله عليهم ، [ و ]{[20396]} { إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }


[20395]:- في أ : "قال".
[20396]:- زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنّهُ اللّهُ إِنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : ذلكَ لهذا لهؤلاء الذين هاجروا في سبيل الله ، ثم قُتلوا أو ماتوا ، ولهم مع ذلك أيضا أن الله يعدهم النصر على المشركين الذين بغوا عليهم فأخرجوهم من ديارهم . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : ذلكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ قال : هم المشركون بغَوْا على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فوعده الله أن ينصره ، وقال في القصاص أيضا .

وكان بعضهم يزعم أن هذه الاَية نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم ، وكان المسلمون يكرهون القتال يومئذ في الأشهر الحرم ، فسأل المسلمون المشركين أن يكفّوا عن قتالهم من أجل حرمة الشهر ، فأبى المشركون ذلك ، وقاتلوهم فبغَوْا عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنُصروا عليهم ، فأنزل الله هذه الاَية : ذلكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمّ بُغِيَ عَلَيْهِ بأن بدىء بالقتال وهو له كاره ، لَيَنْصُرَنّهُ اللّهُ . ( وقوله : إنّ اللّهَ لَعَفُوّ غَفُورٌ يقول تعالى ذكره : إن الله لذو عفو وصفح لمن انتصر ممن ظلمه من بعد ما ظلمه الظالم بحقّ ، غفور لما فعل ببادئه بالظلم مثل الذي فعل به غير معاقبه عليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (60)

{ ذلك } أي الأمر ذلك . { ومن عاقب بمثل ما عوقب به } ولم يزد في الاقتصاص ، وإنما سمي الابتداء بالعقاب الذي هو الجزاء للازدواج أو لأنه سببه . { ثم بغي عليه } بالمعاودة إلى العقوبة . { لينصرنه الله } لا محالة . { إن الله لعفو غفور } للمنتصر حيث اتبع هواه في الانتقام وأعرض عما ندب الله عليه بقوله ولمن صبر وغفران ذلك لمن عزم الأمور وفيه تعريض بالحث على العفو والمغفرة ، فإنه تعالى مع كمال قدرته وتعالي شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك أولى ، وتنبيه على أنه تعالى قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده .