نسيا هذا كله ، واندفعا يستجيبان للإغراء !
( فدلاهما بغرور ، فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ؛ وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ، وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ؟ ) . .
لقد تمت الخدعة وآتت ثمرتها المرة . لقد أنزلهما الشيطان بهذا الغرور من طاعة الله إلى معصيته ، فأنزلهما إلى مرتبة دنيا :
ولقد شعرا الآن أن لهما سوآت ، تكشفت لهما بعد أن كانت مواراة عنهما . فراحا يجمعان من ورق الجنة ويشبكانه بعضه في بعض ( يخصفان ) ويضعان هذا الورق المشبك على سوآتهما - مما يوحي بأنها العورات الجسدية التي يخجل الإنسان فطرة من تعريها ، ولا يتعرى ويتكشف إلا بفساد في هذه الفطرة من صنع الجاهلية !
( وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ، وأقل لكما : إن الشيطان لكما عدو مبين ؟ )
وسمعا هذا العتاب والتأنيب من ربهما على المعصية وعلى إغفال النصيحة . . أما كيف كان النداء وكيف سمعاه ، فهو كما خاطبهما أول مرة . وكما خاطب الملائكة . وكما خاطب إبليس . كلها غيب لا ندري عنه إلا أنه وقع . وأن الله يفعل ما يشاء .
قال سعيد بن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، رضي الله عنه ، قال : كان آدم رجلا طُوَالا كأنه نخلة سَحُوق ، كثير شعر الرأس . فلما وقع بما وقع به من الخطيئة ، بَدَتْ له عورته عند ذلك ، وكان لا يراها . فانطلق هاربا في الجنة فتعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة ، فقال لها : أرسليني . فقالت : إني غير مرسلتك . فناداه ربه ، عز وجل : يا آدم ، أمنّي تفر ؟ قال : رب إني استحييتك . {[11622]}
وقد رواه ابن جرير ، وابن مَرْدُويه من طُرُق ، عن الحسن ، عن أبيّ بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والموقوف أصحّ إسنادا . {[11623]}
وقال عبد الرزاق : أنبأنا سفيان بن عيينة وابن المبارك ، عن الحسن بن عمارة ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته ، السنبلة . فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما ، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وَرقَ التين ، يلزقان بعضه إلى بعض . فانطلق آدم ، عليه السلام ، موليا في الجنة ، فعلقت برأسه شجرة من الجنة ، فناداه : يا آدم ، أمني تفر ؟ قال : لا ولكني استحييتك يا رب . قال : أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة ، عما حرمت عليك . قال : بلى يا رب ، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا . قال : وهو قوله ، عز وجل{[11624]} { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ، ثم لا تنال العيش إلا كَدا . قال : فأهبط من الجنة ، وكانا يأكلان منها رَغَدًا ، فأهبط إلى غير رغد من طعام وشراب ، فعُلّم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث ، فحرث وزرع ثم سقى ، حتى إذا بلغ حصد ، ثم داسه ، ثم ذَرّاه ، ثم طحنه ، ثم عجنه ، ثم خبزه ، ثم أكله ، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ{[11625]} وقال الثوري ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ } قال : ورق التين . صحيح إليه .
وقال مجاهد : جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة كهيئة الثوب .
وقال وَهْب بن مُنَبِّه في قوله : { يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } قال : كان لباس آدم وحواء نورا على فروجهما ، لا يرى هذا عورة هذه ، ولا هذه عورة هذا . فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوآتهما . رواه ابن جرير بإسناد صحيح إليه .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة قال : قال آدم : أي رب ، أرأيت إن تبت واستغفرت ؟ قال : إذًا أدخلك الجنة . وأما إبليس فلم يسأله التوبة ، وسأله النظرة ، فأعطي كل واحد منهما الذي سأله .
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا عَبَّاد بن العَوَّام ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أكل آدم من الشجرة قيل له : لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها . قال : حواء . أمرتني . قال : فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كَرْها ، ولا تضع إلا كَرْها . قال : فرنَّت عند ذلك حواء . فقيل لها : الرنة عليك وعلى ولدك{[11626]}
القول في تأويل قوله تعالى : { فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَنَادَاهُمَا رَبّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشّجَرَةِ وَأَقُل لّكُمَآ إِنّ الشّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مّبِينٌ } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فخدعهما بغرور ، يقال منه : ما زال فلان يدلّي فلانا بغرور ، بمعنى : ما زال يخدعه بغرور ويكلمه بزخرف من القول باطل . فَلَمّا ذَاقَا الشّجَرَةَ يقول : فلما ذاق آدم وحوّاء ثمر الشجرة ، يقول : طعماه . بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما يقول : انكشفت لهما سوآتهما ، لأن الله أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة ، فسلبهما ذلك بالخطيئة التي أخطئا ، أو المعصية التي ركبا . وَطَفِقَا يَخْصَفانِ عَلَيْهما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ يقول : أقبلا وجعلا يشدّان عليهما من ورق الجنة ليواريا سوآتهما . كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ قال : جعلا يأخذان من ورق الجنة فيجعلان على سوءاتهما .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن الحسن ، عن أبيّ بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كانَ آدَمُ كأنّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ كَثِيرَ شَعْرِ الرأْسِ ، فَلَمّا وَقَعَ بالخَطِيئَةِ بَدَتْ لَهُ عَوْرتُهُ وكانَ لا يَرَاها ، فانْطَلَقَ فارّا ، فَتَعَرّضَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فَحَبَسَتْهُ بِشَعْرِهِ ، فَقالَ لَهَا : أرْسِلِيني ، فَقالَتْ : لَسْتُ بمُرْسِلَتِكَ ، فَنادَاهُ رَبّهُ : يا آدَمُ ، أمِنّي تَفِرّ ؟ قالَ : لا ، وَلَكِنّي اسْتَحَيْتُكَ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك ، عن الحسن ، عن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته : السنبلة فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما ، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ ورق التين يلصقان بعضها إلى بعض ، فانطلق آدم مولّيا في الجنة ، فأخذت برأسه شجرة من الجنة ، فناداه : أي آدم أمني تفرّ ؟ قال : لا ، ولكني استحيتك يا ربّ قال : أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرّمت عليك ؟ قال : بلى يا ربّ ، ولكن وعزّتك ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا . قال : وهو قول الله : وَقاسمَهُما إنّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحينَ قال : فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض ، ثم لا تنال العيش إلا كدّا قال : فأهبط من الجنة ، وكانا يأكلان فيها رغدا ، فأهبطا في غير رغد من طعام وشراب ، فعلّم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث ، فحرث وزرع ثم سقى . حتى إذا بلغ حصده ثم داسه ، ثم ذراه ، ثم طحنه ، ثم عجنه ، ثم خبزه ، ثم أكله ، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : يَخْصِفانِ قال : يرقعان كهيئة الثوب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَلَمّا ذَاقا الشّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وكانا قبل ذلك لا يريانها وطَفِقا يَخْصِفانِ . . . الاَية .
وقال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : حدثنا الحسن ، عن أبيّ بن كعب : أن آدم عليه السلام كان رجلاً طوالاً ، كأنه نخلة سحوق ، كثير شعر الرأس فلما وقع بما وقع به من الخطيئة ، بدت له عورته عند ذلك ، وكان لا يراها . فانطلق هاربا في الجنة ، فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة ، فقال لها : أرسليني قالت : إني غير مرسلتك . فناداه ربه : يا آدم ، أمني تفرّ ؟ قال : ربّ إني استحيتك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، عن سفيان الثوريّ ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّةِ قال : ورق التين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَطَفقا يَخْصِفان عَلَيْهِما مِنْ وَرَق الجَنّة قال : ورق التين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن حسام بن معبد ، عن قتادة وأبي بكر عن غير قتادة قال : كان لباس آدم في الجنة ظُفُرا كله ، فلما وقع بالذنب كشط عنه وبدت سوأته . قال أبو بكر : قال غير قتادة : فَطَفِقا يَخْصِفان عَلَيْهِما مِنْ وَرَق الجَنّةِ قال : ورق التين .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : بَدَتْ لَهُما سَوآتُهُما قال : كانا لا يريان سوآتهما .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، قال : حدثنا عمرو ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما قال : كان لباس آدم وحوّاء عليهما السلام نورا على فروجهما ، لا يرى هذا عورة هذه ولا هذه عورة هذا . فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوآتهما .
القول في تأويل قوله تعالى : وَنادَاهُمَا رَبّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشّجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدُوّ مُبِينٌ .
يقول تعالى ذكره : ونادى آدم وحوّاء ربهما : ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها ، وأعلمكما أن إبليس لكما عدوّ مبين ؟ يقول : قد أبان عداوته لكما بترك السجود لاَدم حسدا وبغيا . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس ، قوله : وَنادَاهُما رَبّهُما ألَمْ أنْهَكُما عَنْ تِلْكُما الشّجَرَةِ وأقُلْ لَكُما إنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدُوٌ مُبِينٌ لِمَ أكلتها وقد نهيتك عنها ؟ قال : يا ربّ أطعمتني حوّاء قال لحوّاء : لم أطعمته ؟ قالت : أمرتني الحية . قال للحية : لم أمرتها ؟ قالت : أمرني إبليس . قال : ملعون مدحور أما أنتِ يا حوّاء فكما دَمِيت الشجرة تدْمين كلّ شهر ، وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك ، وسيشدخ رأسك من لقيك اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عباد بن العوّام ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما أكل آدم من الشجرة قيل له : لم أكلتَ من الشجرة التي نهيتك عنها ؟ قال : حوّاء أمرتني ، قال : فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها . قال : فرنّت حوّاء عند ذلك ، فقيل لها : الرنة عليك وعلى ولدك .
{ فدلاّهما } فنزلهما إلى الأكل من الشجرة ، نبه به على انه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة ، فإن التدلية والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل . { بغرور } بما غرهما به من القسم فإنهما ظنا أن أحداً لا يحلف بالله كاذبا ، أو ملتبسين بغرور . { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما } أي فلما وجدا طعمهما آخذين في الأكل منها أخذتهما العقوبة وشؤم المعصية ، فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما . واختلف في أن الشجرة كانت السنبلة أو الكرم أو غيرهما ، وأن اللباس كان نورا أو حلة أو ظفرا . { وطفقا يخصفان } أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة . { عليهما من ورق الجنة } قيل كان ورق التين ، وقرئ { يخصفان } من أخصف أي يخصفان أنفسهما ويخصفان من خصف ويخصفان وأصله يختصفان . { وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } عتاب على مخالفة النهي ، وتوبيخ على الاغترار بقول العدو . وفيه دليل على أن مطلق النهي للتحريم .