وتنتهي تلك الجولة مع مصائر المجرمين والصالحين ، وعواقب المؤمنين والفاسقين ، ومشاهد هؤلاء وهؤلاء في اليوم الذي يشكون فيه ويستريبون . ثم يأخذ سياق السورة في جولة جديدة مع موسى وقومه ورسالته . جولة مختصرة لا تزيد على إشارة إلى كتاب موسى - عليه السلام - الذي جعله الله هدى لبني إسرائيل ؛ كما جعل القرآن كتاب محمد [ صلى الله عليه وسلم ] هدى للمؤمنين . وإلى التقاء صاحب القرآن مع صاحب التوراة على الأصل الواحد والعقيدة الثابتة . وإلى اصطفاء الصابرين الموقنين من قوم موسى ليكونوا أئمة لقومهم إيحاء للمسلمين في ذلك الحين بالصبر واليقين ، وبيانا للصفة التي تستحق بها الإمامة في الأرض والتمكين :
( ولقد آتينا موسى الكتاب - فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل . وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون . إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) . .
وتفسير هذه العبارة المعترضة : ( فلا تكن في مرية من لقائه )على معنى تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم على الحق الذي جاء به ؛ وتقرير أنه الحق الواحد الثابت الذي جاء به موسى في كتابه ؛ والذي يلتقي عليه الرسولان ويلتقي عليه الكتابان . . هذا التفسير أرجح عندي مما أورده بعض المفسرين من أنها إشارة إلى لقاء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لموسى عليه السلام في ليلة الإسراء والمعراج .
يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله موسى ، عليه السلام ، أنه آتاه الكتاب وهو التوراة .
وقوله : { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } : قال قتادة : يعني به ليلة الإسراء . {[23152]} ثم روي عن أبي العالية الرّياحي قال : حدثني ابن عم نبيكم - يعني ابن عباس - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُريتُ ليلة أسري بي موسى بن عمران ، رجلا آدم طُوَالا جَعْدًا ، كأنه من رجال شَنُوءة . ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، مبسط الرأس ، ورأيت مالكًا خازن النار والدجال ، في آيات أراهن الله إياه » ، { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } ، أنه قد رأى موسى ، ولقي موسى ليلة أسري به . {[23153]}
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا الحسن بن علي الحُلْوَاني ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا سعيد بن أبي عَرُوبَة ، عن قتادة ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } ، قال : جُعل موسى هُدى لبني إسرائيل ، وفي قوله : { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } قال : من لقاء موسى ربه عز وجل . {[23154]}
وقوله : { وَجَعَلْنَاهُ } أي : الكتاب الذي آتيناه { هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } ، [ كما قال تعالى في سورة الإسراء : { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا } [ الإسراء : 2 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.