في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ} (16)

ومن ثم يجيء التهديد من الجبار القهار ، يلمس في نفسه موضع الاختيال والفخر بالمال والبنين ؛ كما لمس وصفه من قبل موضع الاختيال بمكانته ونسبه . . ويسمع وعد الله القاطع :

( سنسمه على الخرطوم ) . .

ومن معاني الخرطوم طرف أنف الخنزير البري . . ولعله هو المقصود هنا كناية عن أنفه ! والأنف في لغة العرب يكنى به عن العزة فيقال : أنف أشم للعزيز . وأنف في الرغام للذليل . . أي في التراب ! ويقال ورم أنفه وحمي أنفه ، إذا غضب معتزا . ومنه الأنفة . . والتهديد بوسمه على الخرطوم يحوي نوعين من الإذلال والتحقير . . الأولى الوسم كما يوسم العبد . . والثاني جعل أنفه خرطوما كخرطوم الخنزير !

وما من شك أن وقع هذه الآيات على نفس الوليد كان قاصما . فهو من أمة كانت تعد هجاء شاعر - ولو بالباطل - مذمة يتوقاها الكريم ! فكيف بدمغه بالحق من خالق السماوات والأرض . بهذا الأسلوب الذي لا يبارى . في هذا السجل الذي تتجاوب بكل لفظ من ألفاظه جنبات الوجود . ثم يستقر في كيان الوجود . . في خلود . .

إنها القاصمة التي يستأهلها عدو الإسلام وعدو الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ} (16)

{ سنسمه على الخرطوم } سنبين أمره بيانا واضحا ، حتى يعرفه الناس فلا يخفى عليهم ؛ كما لا تخفى السمة على الخرطوم . أو سنلحق به عارا لا يفارقه . تقول العرب للرجل يسب سبة سوء قبيحة باقية : قد وسم ميسم سوء .

أي ألصق به عار لا يفارقه ؛ كما أن السمة وهي العلامة لا يمحى أثرها . والخرطوم : الأنف من الإنسان ؛ والوسم عليه يكون بالنار ، وكنى به عما ذكر .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ} (16)

سنسِمه على الخرطوم : نجعل له علامة على أنفه .

وبعد أن ذكَر قبائح أفعاله توعّده بشرٍ عظيم فقال :

{ سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم }

سنجعلُ له وسْماً وعلامةً على أنفه يوم القيامة ، أي أنّنا سنفضح أمره حتى لا يخفى على أحدٍ في الدنيا ، ثم يأتي يومَ القيامة وعلى أنفه وسمٌ ظاهر .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ} (16)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " سنسمه " قال ابن عباس : معنى " سنسمه " سنخطمه بالسيف . قال : وقد خطم الذي نزلت فيه يوم بدر بالسيف ، فلم يزل مخطوما إلى أن مات . وقال قتادة : سنسمه يوم القيامة على أنفه سمة يعرف بها ؛ يقال : وسمتُه وسْماً وسِمَة إذا أثرت فيه بسمة وكي . وقد قال تعالى : " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه{[15243]} " [ آل عمران : 106 ] فهذه علامة ظاهرة . وقال تعالى : " ونحشر المجرمين يومئذ زرقا{[15244]} " [ طه : 102 ] وهذه علامة أخرى ظاهرة . فأفادت هذه الآية علامة ثالثة ، وهي الوسم على الأنف بالنار ، وهذا كقوله تعالى : " يعرف المجرمون بسيماهم{[15245]} " [ الرحمن : 41 ] قاله الكلبي وغيره . وقال أبو العالية ومجاهد : " سنسمه على الخرطوم " أي على أنفه ، ونسود وجهه في الآخرة فيعرف بسواد وجهه . والخرطوم : الأنف من الإنسان . ومن السباع : موضع الشفة . وخراطيم القوم : ساداتهم . قال الفراء : وإن كان الخرطوم قد خص بالسمة ، فإنه في معنى الوجه ؛ لأن بعض الشيء يعبر به عن الكل . وقال الطبري : نبين أمره تبيانا واضحا حتى يعرفوه فلا يخفى عليهم ، كما لا تخفى السمة على الخراطيم . وقيل : المعنى سنلحق به عارا وسبة حتى يكون كمن وسم على أنفه . قال القتبي : تقول العرب للرجل يسب سبة سوء قبيحة باقية : قد وُسِمَ مِيسَمَ سوء ، أي ألصق به عار لا يفارقه ، كما أن السمة لا يمحى أثرها . قال جرير :

لما وضعتُ على الفرزدق مِيسَمِي *** وعلى البَعِيثِ{[15246]} جَدَعْتُ أنْفَ الأخْطَلِ

أراد به الهجاء . قال : وهذا كله نزل في الوليد بن المغيرة . ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه منه ، فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة ، كالوسم على الخرطوم . وقيل : هو ما ابتلاه الله به في الدنيا في نفسه وماله وأهله من سوء وذل وصغار ، قاله ابن بحر . واستشهد بقول الأعشى :

فدعها وما يُغْنِيكَ واعمد لغيرها *** بشعرك واغْلُبْ{[15247]} أنفَ من أنت واسم

وقال النضر بن شميل : المعنى سنحده على شرب الخمر ، والخرطوم : الخمر ، وجمعه خراطيم ، قال الشاعر :

تَظَلُّ يومك في لهو وفي طرب *** وأنت بالليل شرَّاب الخراطيم

قال الراجز{[15248]} :

صهباءُ خرطوماً عقاراً قَرْقَفَا{[15249]}

وقال آخر :

أبا حاضرٍ من يَزْنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُه *** ومن يشرب الخرطوم يُصْبِحْ مُسْكِرَا

الثانية- قال ابن العربي : " كان الوسم في الوجه لذي المعصية قديما عند الناس ، حتى أنه روي - كما تقدم - أن اليهود لما أهملوا رجم الزاني اعتاضوا منه بالضرب وتحميم الوجه{[15250]} ، وهذا وضع باطل . ومن الوسم الصحيح في الوجه : ما رأى العلماء من تسويد وجه شاهد الزور ، علامة على قبح المعصية ، وتشديدا لمن يتعاطاها لغيره ممن يرجى تجنبه ، بما يرجى من عقوبة شاهد الزور وشهرته{[15251]} ، فقد كان عزيزا بقول الحق ، وقد صار مهينا بالمعصية . وأعظم الإهانة إهانة الوجه . وكذلك كانت الاستهانة به في طاعة الله سببا{[15252]} لخيرة الأبد والتحريم له على النار ، فإن الله تعالى قد حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود ، حسب ما ثبت في الصحيح .


[15243]:راجع جـ 4 ص 166.
[15244]:راجع جـ 11 ص 244.
[15245]:راجع جـ 17 ص 175.
[15246]:البعيث: هو خداش بن بشر (ويقال بشير) من بني مجاشع، كان يهاجي جريرا.
[15247]:علبه يعلبه علبا وعلوبا: أثر فيه ورسمه أو خدشه.
[15248]:هو العجاج.
[15249]:كل هذا من أسماء الخمر. وقبله: * فغممها حولين ثم استودفا* وغممت الشيء: غطيته. واستودف اللبن: صبه في الإناء.
[15250]:تحميم الوجه: تسخيمه بالفحم.
[15251]:عبارة ابن العربي في أحكامه: "...لغيره لمن يرجى تجنبه يمن يرى من عقوبة...".
[15252]:في ابن العربي: "سببا لحياة الأبد".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ} (16)

ولما كان هذا المذكور قد أغرق في الشر فتوقع السامع جزاءه ، قال معلماً أنه يجعل له من الخزي والفضائح ما يصير به شهرة بين الخلائق في الدنيا والآخرة : { سنسمه } أي نجعل ما يلحق به من العار في الدارين كالوسم الذي لا ينمحي أثره ، تقول العرب : وسمه ميسم سوء .

ولما كان الوسم منكئاً ، وكان جعله{[67508]} في موضع لا يستر أنكأ ، وكان الوجه أشرف{[67509]} ما في الإنسان ، وكان أظهر ما فيه وأكرمه{[67510]} الأنف ، ولذلك جعلوه مكان{[67511]} العز والحمية واشتقوا منه الأنفة ، قال : { على الخرطوم * } أي الأنف الطويل جميعه وما قاربه من الحنكين{[67512]} وسماً مستعلياً عليه بوضوح جداً ليكون هتكة{[67513]} بين الناس وفضيحة لقومه{[67514]} وذلاً وعاراً ، وكذا كان لعمري له بهذا{[67515]} الذكر{[67516]} الشنيع والذنب القبيح من الكفر وما معه ، وسيكون له يوم الجمع الأعظم{[67517]} ما هو أشنع من هذا ، على أنه قد حقق في الدنيا هذا الخطم حساً بأنه ضرب يوم بدر ضربة خطمت أنفه - قاله ابن عباس رضي الله عنهما{[67518]} ، والتعبير{[67519]} عن الأنف بهذا{[67520]} للاستهانة والاستخفاف .


[67508]:- من ظ وم، وفي الأصل: جعل.
[67509]:- في ظ وم: اشهر.
[67510]:- من ظ وم، وفي الأصل: إكرامه.
[67511]:- من ظ وم، وفي الأصل: موضع.
[67512]:- زيد في الأصل: وسمى هذا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67513]:- من ظ وم، وفي الأصل: هتيكة.
[67514]:- من ظ وم، وفي الأصل بين قومه.
[67515]:- من ظ وم، وفي الأصل: هذا.
[67516]:- زيد من ظ وم.
[67517]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأكبر.
[67518]:- راجع معالم التنزيل 7/111.
[67519]:- من ظ وم، وفي الأصل: بهذا عن الخرطوم.
[67520]:- من ظ وم، وفي الأصل: بهذا عن الخرطوم.