في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر :

( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما . وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) . .

وحين نتجاوز صدر الخطاب ، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله ، فقد بعدت عنه بما كان منها . . حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا . .

ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين . والملائكة بعد ذلك ظهير ! ليطيب خاطر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير !

ولا بد أن الموقف في حس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة . ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر - رضي الله عنهما - وهو يسأله : جاءت غسان ? فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول . وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة ، وهجومها إذ ذاك أمر خطير . ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول ! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير ، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن . وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم ! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور . وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر ، فهو إذن صحيح قويم عميق .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

إن تتوبا : يعني حفصة وعائشة .

صغت قلوبكما : مالت إلى ما يجب للرسول الكريم من تعظيم وإجلال .

وإن تظاهرا عليه : تتظاهرا وتتعاونا على إيذاء الرسول .

ظهير : معين .

ثم وجّه تعالى الخطابَ إلى حفصةَ وعائشة مبالغةً في العتاب والتحذير فقال :

{ إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }

إن ترجعا إلى الله بالتوبة عن مثلِ هذه الأعمال التي تؤذي النبيَّ فقد مالت قلوبُكما إلى الحقّ والخير .

ثم بيّن الله أنه حافظٌ لرسوله الأمين وحارسُه فلا يَضُرُّه أذى مخلوقٍ فقال :

{ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .

إن تتعاونا يا عائشة وحفصة في العمل على ما يؤذي النبيَّ ويسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء السر ، فلن يضرّه ذلك شيئا ، فالله ناصرهُ وجبريلُ والمؤمنون الصالحون والملائكة كلّهم مظاهرون له ومعينون .

قراءات :

قرأ أهل الكوفة : تظاهرا بفتح التاء والظاء من غير تشديد . وقرأ الباقون : تظاهرا بفتح التاء والظاء المشددة .

قرأ حفص ونافع وأبو عمرو وابن عامر : جبريل بكسر الجيم والراء من غير همزة . وقرأ أبو بكر : جبرئيل بفتح الجيم والراء وهمزة قبل الياء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

[ وقوله : ] { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } الخطاب للزوجتين الكريمتين من أزواجه صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، كانتا سببًا لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما يحبه ، فعرض الله عليهما التوبة ، وعاتبهما على ذلك ، وأخبرهما أن قلوبهما{[1157]}  قد صغت أي : مالت وانحرفت عما ينبغي لهن ، من الورع والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، واحترامه ، وأن لا يشققن عليه ، { وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } أي : تعاونا{[1158]}  على ما يشق عليه ، ويستمر هذا الأمر منكن ، { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أي : الجميع أعوان للرسول ، مظاهرون ، ومن كان هؤلاء أعوانه{[1159]}  فهو المنصور ، وغيره ممن يناوئه مخذول{[1160]}  وفي هذا أكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين ، حيث جعل الباري نفسه [ الكريمة ] ، وخواص خلقه ، أعوانًا لهذا الرسول الكريم .

وهذا فيه من التحذير للزوجتين الكريمتين ما لا يخفى ،


[1157]:- في ب: أن قلوبكما.
[1158]:- في ب: تتعاونا.
[1159]:- في ب: أنصاره.
[1160]:- في ب: وغيره أن يناوئه فهو مخذول.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا إلى الله } أي من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء . يخاطب عائشة وحفصة ، { فقد صغت قلوبكما } أي زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة . قال ابن زيد : مالت قلوبهما بأن سرهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، أنبأنا عبد الله بن عباس قال : لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى لهما : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } حتى حج وحججت معه ، وعدل وعدلت معه بإداوة ، فتبرز ثم جاء ، فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ ، فقلت له : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى لهما :{ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } فقال : واعجباً لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة . ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال : إني كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ، وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت حدثته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره ، وإذا نزل فعل مثله . وكنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ولم تنكر أن أراجعك ! فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل . فأفزعني فقلت : خابت من فعلت منهن بعظيم . ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة ، فقلت : أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل ؟ قالت : نعم ، فقلت : خابت وخسرت ، أفتأمنين أن يغضب الله تعالى لغضب رسوله فتهلكي ، لا تستكثري على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ، ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم -يريد عائشة- . قال عمر : وكنا تحدثنا أن غسان تبعث الخيل لتغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته ، فرجع عشاء فضرب بابي ضرباً شديداً وقال : أثم هو ؟ ففزعت فخرجت إليه فقال : حدث أمر عظيم ؟ فقلت : ما هو أجاءت غسان ! قال : لا بل أعظم منه وأطول ، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه . فقلت : قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون . فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل مشربة فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ألم أكن حذرتك ؟ أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : لا أدري هو ذا في المشربة . فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم ، فجلست معهم قليلاً ثم غلبني ما أجد ، فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر ، فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلي فقال : قد كلمت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرتك له فصمت ، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام : استأذن لعمر ، فدخل ثم رجع إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت : استأذن لعمر ، فاستأذن ثم رجع إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت . فلما وليت منصرفاً ، فإذا الغلام يدعوني ، فقال : قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش ، قد أثر الرمال بجنبه متكئاً على وسادة من أدم حشوها ليف ، فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم : يا رسول الله أطلقت نساءك ؟ فرفع إلي بصره فقال : لا ، فقلت : الله أكبر . ثم قلت وأنا قائم أستأنس : يا رسول الله لو رأيتني ، وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلت : يا رسول الله لو رأيتني ، ودخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -يريد عائشة- فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى ، فجلست حين رأيته يبتسم فرفعت بصري في بيته ، فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر غير أهبة ثلاثة ، فقلت : يا رسول الله ادع الله تعالى فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله تعالى ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً فقال : أو في هذا أنت يا ابن الخطاب ؟ إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا . فقلت : يا رسول الله استغفر لي . فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعاً وعشرين ليلة ، وكان يقول : ما أنا بداخل عليهن شهراً -من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله تعالى . فلما مضت تسع وعشرون ليلة ، دخل على عائشة رضي الله عنها فبدأ بها ، فقالت له عائشة : يا رسول الله إنك كنت أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً فإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عداً ! فقال : الشهر تسع وعشرون ، وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين ليلة . قالت عائشة : ثم أنزل الله آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه ، فاخترته ، ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن " أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه فبدأ بي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي بالجواب حتى تستأمري أبويك ، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، ثم قال إن الله قال : { يا أيها النبي قل لأزواجك } إلى تمام الآيتين ، فقلت : أو في هذا استأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة " .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني زهير بن حرب ، حدثنا عمر بن يونس الحنفي ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن سماك ابن زميل حدثنا عبد الله بن عباس ، حدثني عمر بن الخطاب قال : " لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وذكر الحديث . وقال : دخلت عليه فقلت : يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء ؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك . وقلما تكلمت -وأحمد الله تعالى- بكلام إلا رجوت أن الله يصدق قولي الذي أقول ، ونزلت هذه الآية : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } و{ إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير } " . قوله : { وإن تظاهرا عليه } أي تتظاهرا وتتعاونا على أذى النبي صلى الله عليه وسلم . قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء ، والآخرون بتشديدها . { فإن الله هو مولاه } أي وليه وناصره . قوله : { وجبريل وصالح المؤمنين } روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب : { وصالح المؤمنين } أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، قال الكلبي : هم المخلصون الذي ليسوا بمنافقين . قوله :{ والملائكة بعد ذلك ظهير } قال مقاتل : بعد الله وجبريل وصالح المؤمنين ظهير ، أي : أعوان النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا من الواحد الذي يؤدي عن الجمع ، كقوله : { وحسن أولئك رفيقا }( النساء- 69 ) .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا إلى الله } يعني عائشة وحفصة { فقد صغت قلوبكما } عدلت وزاغت عن الحق وذلك أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته { وإن تظاهرا عليه } تتعاونا على أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم { فإن الله هو مولاه } وليه وحافظه فلا يضره تظاهركما عليه وقوله { وصالح المؤمنين } قيل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم { والملائكة بعد ذلك ظهير } أي الملائكة بعد هؤلاء أعوان

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } هذا خطاب لعائشة وحفصة وتوبتهما مما جرى منهما في قصة تحريم الجارية أو العسل ومعنى : صغت أي : مالت عن الصواب وقرأ ابن مسعود زاغت والمعنى : إن تتوبا إلى الله فقد صدر منكما ما يوجب التوبة .

{ وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه } المعنى : إن تعاونتما عليه صلى الله عليه وسلم بما يسوؤه من إفراط الغيرة وإفشاء سره ونحو ذلك فإن له من ينصره ومولاه هنا يحتمل أن يكون بمعنى السيد الأعظم فيوقف على مولاه ويكون جبريل مبتدأ وظهير خبره ، وخبر ما عطف عليه ويحتمل أن يكون المولى هنا بمعنى الولي الناصر فيكون جبريل معطوف فيوصل مع ما قبله ويوقف على صالح المؤمنين ويكون الملائكة مبتدأ وظهير خبره ، وهذا أظهر وأرجح لوجهين : أحدهما : أن معنى الناصر أليق بهذا الموضع فإن ذلك كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم وتشريفا له ، وأما إذا كان بمعنى السيد فذلك يشترك فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع غيره ، لأن الله تعالى مولى جميع خلقه بهذا المعنى فليس في ذلك إظهار مزية له .

الوجه الثاني : أنه ورد في الحديث الصحيح : " أنه لما وقع ذلك جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل معك وأبو بكر معك وأنا معك " ، فنزلت الآية موافقة لقول عمر فقوله يقتضي معك النصرة .

{ وصالح المؤمنين } اختلف في صالح هل هو مفرد أو جمع محذوف النون للإضافة فعلى القول بأنه مفرد هو أبو بكر ، وقيل : علي بن أبي طالب ، وعلى القول بأنه جمع فهو على العموم في كل صالح .