في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

بعدئذ يذكر قصة هذا المنهج الإلهي ومراحلها في الرسالات قبل الإسلام .

( وإذ قال موسى لقومه : يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ? فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .

وإذ قال عيسى بن مريم : يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . .

وإيذاء بني إسرائيل لموسى - وهو منقذهم من فرعون وملئه ، ورسولهم وقائدهم ومعلمهم - إيذاء متطاول متعدد الألوان ، وجهاده في تقويم اعوجاجهم جهاد مضن عسير شاق . ويذكر القرآن في قصص بني إسرائيل صورا شتى من ذلك الإيذاء ومن هذا العناء .

كانوا يتسخطون على موسى وهو يحاول مع فرعون إنقاذهم ، ويتعرض لبطشه وجبروته وهم آمنون بذلتهم له ! فكانوا يقولون له لائمين متبرمين : ( أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ) ! كأنهم لا يرون في رسالته خيرا ، أو كأنما يحملونه تبعة هذا الأذى الأخير !

وما كاد ينقذهم من ذل فرعون باسم الله الواحد الذي أنقذهم من فرعون وأغرقه وهم ينظرون . . حتى مالوا إلى عبادة فرعون وقومه . . ( فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا : يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) . . وما كاد يذهب لميقات ربه على الجبل ليتلقى الألواح ، حتى أضلهم السامري : ( فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا : هذا إلهكم وإله موسى فنسي ! ) . .

ثم جعلوا يتسخطون على طعامهم في الصحراء : المن والسلوى . فقالوا : ( يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) !

وفي حادث البقرة التي كلفوا ذبحها ظلوا يماحكون ويتعللون ويسيئون الأدب مع نبيهم وربهم وهم يقولون : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) . . ( ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ) . . ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا ) . . ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) !

ثم طلبوا يوم عطلة مقدسا فلما كتب عليهم السبت اعتدوا فيه .

وأمام الأرض المقدسة التي بشرهم الله بدخولها وقفوا متخاذلين يصعرون خدهم في الوقت ذاته لموسى : ( قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين ، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) . . فلما كرر عليهم التحضيض والتشجيع تبجحوا وكفروا : ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) . .

ذلك إلى إعنات موسى بالأسئلة والاقتراحات والعصيان والتمرد ، والاتهام الشخصي بالباطل كما جاء في بعض الأحاديث .

وتذكر الآية هنا قول موسى لهم في عتاب ومودة :

( يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ? ) . .

وهم كانوا يعلمون عن يقين . . إنما هي لهجة العتاب والتذكير . .

وكانت النهاية أنهم زاغوا بعدما بذلت لهم كل أسباب الاستقامة ، فزادهم الله زيغا ، وأزاغ قلوبهم فلم تعد صالحة للهدى . وضلوا فكتب الله عليهم الضلال أبدا : ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . .

وبهذا انتهت قوامتهم على دين الله ، فلم يعودوا يصلحون لهذا الأمر ، وهم على هذا الزيغ والضلال .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

زاغوا : انحرفوا عن الحق .

أزاغ الله قلوبهم : صرفها عن قبول الحق .

وبعد أن هذّب المؤمنين وعلّمهم أن يكونوا صادقين في أقوالهم وأفعالهم ، وحضّهم على اتّباع النظام في الجهاد ، ذَكَرَ أن حالهم يشبه حالَ موسى مع قومه حين ندبَهم للقتال فلم يطيعوه ، بل آذوه أشدَّ الإيذاء ، فوبّخهم الله على ذلك بقوله تعالى :

{ وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِي . . . . } .

اذكر يا محمد ، لقومك حين قال موسى لقومه : يا قومي ، لمَ تُؤذونني وتخالِفون أَمري ، وأنتم تعلمون أنّي رسولُ الله إليكم ؟

فأصرّوا على المخالفة والعصيان .

فلما أصروا على الانحراف ، صرف الله قلوبهم عن الهدى { والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } الذين خرجوا عن طاعته .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ وإذ قال موسى } أي اذكر يا محمد لقومك قصة موسى اذ قال لقومه { يا قوم لم تؤذونني } وذلك حين رموه بالأدرة ، { وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } والرسول يعظم ولا يؤذى { فلما زاغوا } عدلوا عن الحق ، { أزاغ الله قلوبهم } أضلهم الله وصرف قلوبهم عن الحق ، { والله لا يهدي القوم الفاسقين } أي من سبق في عمله أنه فاسق .

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين } .

{ و } اذكر { إذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني } قالوا : إنه آدر ، أي منتفخ الخصية وليس كذلك ، وكذبوه ، { وقد } للتحقيق { تعلمون أني رسول الله إليكم } الجملة حال ، والرسول يحترم { فلما زاغوا } عدلوا عن الحق بإيذائه { أزاغ الله قلوبهم } أمالها عن الهدى على وفق ما قدره في الأزل ، { والله لا يهدي القوم الفاسقين } الكافرين في علمه .