( هو الله الذي لا إله إلا هو ) . . يعيدها في أول التسبيحة التالية ، لأنها القاعدة التي تقوم عليها سائر الصفات . .
( الملك ) . . فيستقر في الضمير أن لا ملك إلا الله الذي لا إله إلا هو . وإذا توحدت الملكية لم يبق للمملوكين إلا سيد واحد يتوجهون إليه ، ولا يخدمون غيره . فالرجل لا يخدم سيدين في وقت واحد ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) . .
( القدوس )وهو اسم يشع القداسة المطلقة والطهارة المطلقة . ويلقي في ضمير المؤمن هذا الإشعاع الطهور ، فينظف قلبه هو ويطهره ، ليصبح صالحا لتلقي فيوض الملك القدوس ، والتسبيح له والتقديس .
( السلام ) . . وهو اسم كذلك يشيع السلام والأمن والطمأنينة في جنبات الوجود ، وفي قلب المؤمن تجاه ربه . فهو آمن في جواره ، سالم في كنفه . وحيال هذا الوجود وأهله من الأحياء والأشياء . ويؤوب القلب من هذا الاسم بالسلام والراحة والاطمئنان . وقد هدأت شرته وسكن بلباله وجنح إلى الموادعة والسلام .
( المؤمن )واهب الأمن وواهب الإيمان . ولفظ هذا الاسم يشعر القلب بقيمة الإيمان ، حيث يلتقي فيه بالله ، ويتصف منه بإحدى صفات الله . ويرتفع إذن إلى الملأ الأعلى بصفة الإيمان .
( المهيمن ) . . وهذا بدء صفحة أخرى في تصور صفة الله - سبحانه - إذ كانت الصفات السابقة : ( القدوس السلام المؤمن )صفات تتعلق مجردة بذات الله . فأما هذه فتتعلق بذات الله فاعلة في الكون والناس . توحي بالسلطان والرقابة .
وكذلك : ( العزيز . الجبار . المتكبر ) . . فهي صفات توحي بالقهر والغلبة والجبروت والاستعلاء . فلا عزيز إلا هو . ولا جبار إلا هو . ولا متكبر إلا هو . وما يشاركه أحد في صفاته هذه . وما يتصف بها سواه . فهو المتفرد بها بلا شريك .
ثم وصف الله تعالى نفسَه بجليل الأسماء والصفات التي هي سرُّ العظمة والجلال ، وذكر أن عظمةَ القرآن جاءت من عظمة الخالق . فأورد سبحانه أحدَ عشر اسماً من أسمائه الحسنى فسّرناها باختصار .
السلام : الذي ينشر السلام في هذا الكون والأمان والنظام .
المؤمن : واهب الأمن للخلق أجمعين .
الجبار : الذي جَبَرَ خلقه على ما أراد ، والعالي الذي لا يُنال .
المتكبر : صاحب الكبرياء والعظمة المنفرد بها .
وقد شرحنا التسبيح فيما مضى ، وتجيء هذه التسبيحة المديدة بأسماء الله الحسنى بحسن الختام .
قوله تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس } أي المنزه عن كل نقص ، والطاهر عن كل عيب . والقَدَس ( بالتحريك ) : السطل بلغة أهل الحجاز ؛ لأنه يتطهر به . ومنه القادوس لواحد الأواني التي يستخرج بها الماء من البئر بالسانية{[14875]} . وكان سيبويه يقول : قَدُّوس وسَبُّوح ، بفتح أولهما . وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائي أعرابيا فصيحا يكني أبا الدينار يقرأ " القَدُّوس " بفتح القاف . قال ثعلب : كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول ، مثل سَفُّود{[14876]} وكَلُّوب وتَنُّور وسَمُّور وشَبُّوط ، إلا السبوح والقدوس فان الضم فيهما أكثر ، وقد يفتحان . وكذلك الذُّرّوج{[14877]} ( بالضم ) وقد يفتح .
" السلام " أي ذو السلامة من النقائص . وقال ابن العربي : اتفق العلماء رحمة الله عليهم على أن معنى قولنا في الله " السلام " : النسبة ، تقديره ذو السلامة . ثم اختلفوا في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال : الأول : معناه الذي سلم من كل عيب وبريء من كل نقصى . الثاني : معناه ذو السلام ، أي المسلم على عباده في الجنة ، كما قال : " سلام قولا من رب رحيم " [ يس : 58 ] . الثالث : أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه . قلت : وهذا قول الخطابي ، وعليه والذي قبله يكون صفة فعل . وعلى أنه البريء من العيوب والنقائص يكون صفة ذات . وقيل : السلام معناه المسلم لعباده .
قوله تعالى : { المؤمن } أي المصدق لرسله بإظهار معجزاته عليهم ومصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب . وقيل : المؤمن الذي يؤمن أولياءه من عذابه ويؤمن عباده من ظلمه ، يقال : آمنه من الأمان الذي هو ضد الخوف ، كما قال تعالى : " وآمنهم من خوف{[14878]} " [ قريش : 4 ] فهو مؤمن ، قال النابغة :
والمؤمِن العائذاتِ الطيرَ يَمْسَحُهَا *** رُكْبَانُ مكة بين الغِيل والسَّنَدِ{[14879]}
وقال مجاهد : المؤمن الذي وحد نفسه بقول : { شهد الله أنه لا إله إلا هو{[14880]} } [ آل عمران : 18 ] . وقال ابن عباس : إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار . وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي ، حتى إذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبي قال الله تعالى لباقيهم : أنتم المسلمون وأنا السلام ، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن ، فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين . { المهيمن العزيز } تقدم الكلام في المهين في " المائدة{[14881]} " وفي " العزيز " في غير موضع{[14882]} . وقال قتادة : المهيمن معناه المشاهد . وقيل : الحافظ . وقال الحسن : المصدق ،
{ الجبار } قال ابن عباس : هو العظيم . وجبروت الله عظمته . وهو على هذا القول صفة ذات ، من قولهم : نخلة جبارة . قال امرؤ القيس :
سوامق جبّار أثِيث فروعُه *** وعالين قنواناً من البسر أحمرا{[14883]}
يعني النخلة التي فاتت اليد . فكان هذا الاسم يدل على عظمة الله وتقديسه عن أن تناله النقائص وصفات الحدث . وقيل : هو من الجبر وهو الإصلاح ، يقال : جبرت العظم فجبر ، إذا أصلحته بعد الكسر ، فهو فعال من جبر إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير . وقال الفراء : هو من أجبره على الأمر أي قهره . قال : ولم أسمع فعالا من أفعل إلا في جبار ودراك من أدرك . وقيل : الجبار الذي لا تطاق سطوته . " المتكبر " الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله . وقيل : المتكبر عن كل سوء المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدث والذم . وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقلة الانقياد . وقال حميد بن ثور :
عَفَتْ مثلَ ما يعفو الفصيل فأصبحت *** بها كبرياء الصعب وهي ذلول .
والكبرياء في صفات الله مدح ، وفي صفات المخلوقين ذم . وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : ( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته ثم قذفته في النار ) . وقيل : المتكبر معناه العالي . وقيل : معناه الكبير ؛ لأنه أجل من أن يتكلف كبرا . وقد يقال : تظلم بمعنى ظلم ، وتشتم بمعنى شتم ، واستقر بمعنى قر . كذلك المتكبر بمعنى الكبير . وليس كما يوصف به المخلوق إذا وصف بتفعل إذا نسب إلى ما لم يكن منه . ثم نزه نفسه فقال : { سبحان الله } أي تنزيها لجلالته وعظمته { عما يشركون } .
{ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عن ما يشركون } .
{ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدُّوس } الطاهر عما لا يليق به ، { السلام } ذو السلامة من النقائص ، { المؤمن } المصدق رسله بخلق المعجزة لهم ، { المهيمن } من هيمن يهيمن إذا كان رقيباً على الشيء ، أي الشهيد على عباده بأعمالهم ، { العزيز } القوي ، { الجبار } جبر خلقه على ما أراد ، { المتكبر } عما لا يليق به ، { سبحان الله } نزَّه نفسه ، { عما يشركون } به .