سورة الطارق مكية وآيتها سبع عشرة
جاء في مقدمة هذا الجزء أن سوره تمثل طرقات متوالية على الحس . طرقات عنيفة قوية عالية ، وصيحات بنوم غارقين في النوم . . . تتوالى على حسهم تلك الطرقات والصيحات بإيقاع واحد ، ونذير واحد . " اصحوا . تيقظوا . انظروا . تلفتوا . تفكروا . تدبروا . إن هنالك إلها . وإن هنالك تدبيرا . وإن هنالك تقديرا . وإن هنالك ابتلاء . وإن هنالك تبعة . وإن هنالك حسابا وجزاء . وإن هنالك عذابا شديدا ونعيما كبيرا . . "
وهذه السورة نموذج واضح لهذه الخصائص . ففي إيقاعاتها حدة يشارك فيها نوع المشاهد ، ونوع الإيقاع الموسيقي ، وجرس الألفاظ ، وإيحاء المعاني .
ومن مشاهدها : الطارق . والثاقب . والدافق . والرجع . والصدع .
ومن معانيها : الرقابة على كل نفس : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) . . ونفي القوة والناصر : ( يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر ) . . والجد الصارم : ( إنه لقول فصل وما هو بالهزل ) . .
والوعيد فيها يحمل الطابع ذاته : ( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا . فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ! ) !
وتكاد تتضمن تلك الموضوعات التي أشير إليها في مقدمة الجزء : " إن هنالك إلها . وإن هنالك تدبيرا . وإن هنالك تقديرا . وإن هنالك ابتلاء . وإن هنالك تبعة . وإن هنالك حسابا وجزاء . . . الخ " .
وبين المشاهد الكونية والحقائق الموضوعية في السورة تناسق مطلق دقيق ملحوظ يتضح من استعراض السورة في سياقها القرآني الجميل . .
( والسماء والطارق . وما أدراك ما الطارق ? النجم الثاقب . إن كل نفس لما عليها حافظ ) . .
قوله تعالى : " والسماء والطارق " قسمان : " السماء " قسم ، و " الطارق " قسم . والطارق : النجم . وقد بينه اللّه تعالى بقوله : " وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب " . واختلف فيه ، فقيل : هو زحل : الكوكب الذي في السماء السابعة . ذكره محمد بن الحسن{[15916]} في تفسيره ، وذكر له أخبارا ، اللّه أعلم بصحتها . وقال ابن زيد : إنه الثريا . وعنه أيضا أنه زحل . وقاله الفراء . ابن عباس : هو الجدي . وعنه أيضا وعن علي بن أبي طالب - رضي اللّه عنهما - والفراء : " النجم الثاقب " : نجم في السماء السابعة ، لا يسكنها غيره من النجوم ، فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء ، هبط فكان معها . ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة ، وهو زحل ، فهو طارق حين ينزل ، وطارق حين يصعد . وحكى الفراء : ثقب الطائر : إذا ارتفع وعلا . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قاعدا مع أبي طالب ، فانحط نجم ، فامتلأت الأرض نورا ، ففزع أبو طالب ، وقال : أي شيء هذا ؟ فقال : [ هذا نجم رمي به ، وهو آية من آيات اللّه ] فعجب أبو طالب ، ونزل : " والسماء والطارق " . وروي عن ابن عباس أيضا " والسماء والطارق " قال : السماء{[15917]} وما يطرق فيها . وعن ابن عباس وعطاء : " الثاقب " : الذي ترمي به الشياطين . قتادة : هو عام في سائر النجوم ؛ لأن طلوعها بليل ، وكل من أتاك ليلا فهو طارق . قال :
ومثلكِ حُبْلَى قد طرقتُ ومُرْضِعًا *** فألهيتُهَا عن ذي تمائمَ مُغْيِلِ{[15918]}
ألم ترياني كلما جئت طارقا *** وجدت بها طيبا وإن لم تَطَيَّبِ
فالطارق : النجم ، اسم جنس ، سمي بذلك لأنه يطرق ليلا ، ومنه الحديث : [ نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يطرق المسافر أهله ليلا ، كي تستحد المغيبة ، وتمتشط الشعثة{[15919]} ] . والعرب تسمي كل قاصد في الليل طارقا . يقال : طرق فلان إذا جاء بليل . وقد طرق يطرق طروقا ، فهو طارق . ولابن الرومي{[15920]} :
يا راقدَ الليل مسروراً بأوله *** إن الحوادث قد يطرُقْنَ أسحارا
لا تفرحَنَّ بليل طاب أوله *** فرب آخر ليل أجَّجَ النَّارَا
وفي الصحاح : والطارق : النجم الذي يقال له كوكب الصبح . ومنه قول هند{[15921]} :
نحن بناتُ طارقْ *** نمشي على النَّمَارِقْ
أي إن أبانا في الشرف كالنجم المضيء . الماوردي : وأصل الطرق : الدق ، ومنه سميت المطرقة ، فسمي قاصد الليل طارقا ، لاحتياجه في الوصول إلى الدق . وقال قوم : إنه قد يكون نهارا . والعرب تقول : أتيتك اليوم طرقتين : أي مرتين . ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم : ( أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار ، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ) . وقال جرير في الطروق :
طَرَقَتْكَ صائدةُ القلوب وليس ذا *** حين الزيارة فارجِعِي بسلام
ثم بين فقال : " وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب " والثاقب : المضيء . ومنه " شهاب ثاقب{[15922]} " [ الصافات : 10 ] . يقال : ثقب يثقب ثقوبا وثقابة : إذا أضاء . وثقوبه : ضوئه . والعرب تقول : أثقب نارك . أي أضئها . قال :
أذاعَ به في الناس حتى كأنه *** بعلياءَ نار أُوقِدَتْ بثُقُوبِ
الثقوب : ما تشعل به النار من دقاق العيدان . وقال مجاهد : الثاقب : المتوهج . القشيري : والمعظم على أن الطارق والثاقب اسم جنس أريد به العموم{[15923]} ، كما ذكرنا عن مجاهد . " وما أدراك ما الطارق " تفخيما لشأن هذا المقسم به . وقال سفيان : كل ما في القرآن " وما أدراك " ؟ فقد أخبره به . وكل شيء قال فيه " وما يدريك " : لم يخبره به .
هذه السورة مكية وآياتها سبع عشرة . ويقسم الله فيها بأجزاء من خلقه على جملة حقائق لا ريب فيها . وهي أن كل امرئ من الناس يقوم عليه حفظة من الملائكة يحفظون عليه ما عمل من خير أو شر . وأن الإنسان راجع إلى ربه فمحاسبه ومجازيه بما قدم . وغير ذلك من الحقائق مما تضمنته هذه السورة العظيمة بآياتها القصيرة العجاب وما انطوت عليه من أخبار الكون والكائنات مما هو كائن يوم المعاد .
{ والسماء والطارق 1 وما أدراك ما الطارق 2 النجم الثاقب 3 إن كل نفس لما عليها حافظ } .
أقسم الله بالسماء وبالطارق وهي الكواكب التي تطرق الليل فتطلع فيه ، وفي النهار تختفي . وهو من الطروق أي الدق . وقد سمي الليل طارقا ، وقيل : قد يكون الطروق نهارا . ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.