في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

ولا تدع مع الله إلها آخر )يؤكد هذه القاعدة مرتين بالنهي عن الشرك والنهي عن اتخاذ إله آخر مع الله . ذلك أنها مفرق الطريق في العقيدة بين النصاعة والغموض . وعلى هذه القاعدة يقوم بناء هذه العقيدة كلها ، وآدابها وأخلاقها وتكاليفها وتشريعاتها جميعا . وهي المحور الذي يلتف عليه كل توجيه وكل تشريع . ومن ثم هي تذكر قبل كل توجيه وقبل كل تشريع .

ثم يمضي في التوكيد والتقرير :

( لا إله إلا هو ) . . ( كل شيء هالك إلا وجهه ) . . ( له الحكم ) . . ( وإليه ترجعون ) . .

( لا إله إلا هو ) . . فلا إسلام إلا لله ، ولا عبودية - إلا له ، ولا قوة إلا قوته ، ولا ملاذ إلا حماه .

( كل شيء هالك إلا وجهه ) . . فكل شيء زائل . وكل شيء ذاهب . المال والجاه . والسلطان والقوة . والحياة والمتاع . وهذه الأرض ومن عليها . وتلك السماوات وما فيها ومن فيها . وهذا الكون كله ما نعلمه منه وما نجهله . . كله . كله . هالك فلا يبقى إلا وجه الله الباقي . متفردا بالبقاء .

له الحكم . . يقضي بما يشاء ويحكم كما يشاء ، لا يشركه في حكمه أحد ، ولا يرد قضاءه أحد ، ولا يقف لأمره أمر . وما يشاؤه فهو الكائن دون سواه .

( وإليه ترجعون ) . . فلا مناص من حكمه ، ولا مفر من قضائه ، ولا ملجأ دونه ولا مهرب .

وهكذا تختم السورة التي تتجلى فيها يد القدرة سافرة ، تحرس الدعوة إلى الله وتحميها ، وتدمر القوى الطاغية والباغية وتمحوها . تختم بتقرير قاعدة الدعوة : وحدانية الله سبحانه وتفرده بالألوهية والبقاء والحكم والقضاء . ليمضي أصحاب الدعوات في طريقهم على هدى ، وعلى ثقة ، وعلى طمأنينة ، وفي يقين . .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

" ولا تدع مع الله إلها آخر " أي لا تعبد معه غيره فإنه لا إله إلا هو نفي لكل معبود وإثبات لعبادته . " كل شيء هالك إلا وجهه " قال مجاهد : معناه إلا هو وقال الصادق : دينه . وقال أبو العالية وسفيان : أي إلا ما أريد به وجهه ؛ أي ما يقصد إليه بالقربة قال :

أستغفر الله ذنباً لستُ مُحصِيه *** ربَّ العباد إليه الوجهُ والعملُ

وقال محمد بن يزيد : حدثني الثوري قال سألت أبا عبيدة عن قوله تعالى : " كل شيء هالك إلا وجهه " فقال : إلا جاهه ، كما تقول لفلان وجه في الناس أي جاه . " له الحكم " في الأولى والآخرة " وإليه ترجعون " . قال الزجاج : " وجهه " منصوب على الاستثناء ، ولو كان في غير القرآن كان إلا وجهه بالرفع ، بمعنى كل شيء غير وجهه هالك كما قال{[12393]} :

وكلُّ أخٍ مفارقُهُ أخوهُ *** لعمرُ أبِيك إلا الفَرْقَدَانِ

والمعنى كل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه . " وإليه ترجعون " بمعنى ترجعون إليه .


[12393]:هو عمرو بن معدي كرب، ويروى لسوار بن المضرب. شواهد سيبويه).