في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا مَّوَدَّةَ بَيۡنِكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضٖ وَيَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (25)

14

ويمضي في القصة بعد نجاة إبراهيم من النار . فلقد يئس من إيمان القوم الذين لم تلن قلوبهم للمعجزة الواضحة . فإذا هو يجبههم بحقيقة أمرهم ، قبل أن يعتزلهم جميعا :

( وقال : إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ومأواكم النار ، وما لكم من ناصرين ) . .

إنه يقول لهم : إنكم اتخذتم الأوثان من دون الله ، لا اعتقادا واقتناعا بأحقية هذه العبادة ؛ إنما يجامل بعضكم بعضا ، ويوافق بعضكم بعضا ، على هذه العبادة ؛ ولا يريد الصاحب أن يترك عبادة صاحبه - حين يظهر الحق له - استبقاء لما بينكم من مودة على حساب الحق والعقيدة ! وإن هذا ليقع في الجماعات التي لا تأخذ العقيدة مأخذ الجد ، فيسترضي الصاحب صاحبه على حساب العقيدة ؛ ويرى أمرها أهون من أن يخالف عليه صديقه ! وهي الجد كل الجد . الجد الذي لا يقبل تهاونا ولا استرخاء ولا استرضاء .

ثم يكشف لهم عن صفحتهم في الآخرة . فإذا المودة التي يخشون أن يمسوها بالخلاف على العقيدة ، والتي يبقون على عبادة الأوثان محافظة عليه . . إذا هي يوم القيامة عداء ولعن وانفصام :

( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) . .

يوم يتنكر التابعون للمتبوعين ، ويكفر الأولياء بالأولياء ، ويتهم كل فريق صاحبه أنه أضله ، ويلعن كل غوي صاحبه الذي أغواه !

ثم لا يجدي ذلك الكفر والتلاعن شيئا ، ولا يدفع عن أحد عذابا :

( ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ) . .

النار التي أرادوا أن يحرقوه بها ، فنصره الله منها ونجاه . فأما هم فلا نصرة لهم ولا نجاة !

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا مَّوَدَّةَ بَيۡنِكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضٖ وَيَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (25)

قوله تعالى : " وقال " إبراهيم " إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا " وقرأ حفص وحمزة : " مودةَ بينكم " وابن كثير وأبو عمرو والكسائي : " مودةٌ بينِكم " والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وابن وثاب والأعمش : " مودةٌ بينَكم " الباقون " مودةُ بينَكم " فأما قراءة ابن كثير ففيها ثلاثة أوجه : ذكر الزجاج منها وجهين : أحدهما : أن المودة ارتفعت على خبر إن وتكون " ما " بمعنى الذي ، والتقدير إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم والوجه الآخر أن يكون على إضمار مبتدأ أي وهي مودة أو تلك مودة بينكم والمعنى ألهتكم أو جماعتكم مودة بينكم . قال ابن الأنباري : " أوثانا " وقف حسن لمن رفع المودة بإضمار ذلك مودة بينكم ومن رفع المودة على أنها خبر إن لم يقف . والوجه الثالث الذي لم يذكره أن يكون " مودة " رفعا بالابتداء و " في الحياة الدنيا " خبره . فأما إضافة " مودة " إلى " بينكم " فإنه جعل " بينكم " اسما غير ظرف والنحويون يقولون جعله مفعولا على السعة . وحكى سيبويه : يا سارق الليلة أهل الدار ، ولا يجوز أن يضاف إليه وهو ظرف ؛ لعلةٍ ليس هذا موضع ذكرها . ومن رفع " مودة " ونونها فعلى معنى ما ذكر و " بينكم " بالنصب ظرفا ومن نصب " مودة " ولم ينونها جعلها مفعولة بوقوع الاتخاذ عليها وجعل " إنما " حرفا واحدا ولم يجعلها بمعنى الذي ويجوز نصب المودة على أنه مفعول من أجله كما تقول : جئتك ابتغاء الخير وقصدت فلانا مودة له " بينكم " بالخفض ومن نون " مودة " ونصبها فعلى ما ذكر " بينكم " بالنصب من غير إضافة . قال ابن الأنباري : ومن قرأ : " مودةً بينكم " و " مودة بينكم " لم يقف على الأوثان ووقف على الحياة الدنيا ومعنى الآية جعلتم الأوثان تتحابون عليها وعلى عبادتها في الحياة الدنيا " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا " تتبرأ الأوثان من عبادها والرؤساء من السفلة كما قال الله عز وجل : " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " [ الزخرف : 67 ] . " ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " هو خطاب لعبدة الأوثان الرؤساء منهم والأتباع وقيل : تدخل فيه الأوثان كقوله تعالى : " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " [ الأنبياء : 98 ] .