( ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته ? إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ، فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ، وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) . .
والفلك تجري في البحر وفق النواميس التي أودعها الله البحر والفلك والريح والأرض والسماء . فخلقة هذه الخلائق بخواصها هذه هي التي جعلت الفلك تجري في البحر ولا تغطس أو تقف . ولو اختلت تلك الخواص أي اختلال ما جرت الفلك في البحر . لو اختلت كثافة الماء أو كثافة مادة الفلك . لو اختلت نسبة ضغط الهواء على سطح البحر . لو اختلت التيارات المائية والهوائية . لو اختلت درجة الحرارة عن الحد الذي يبقي الماء ماء ، ويبقي تيارات الماء والهواء في الحدود المناسبة . . لو اختلت نسبة واحدة أي اختلال ما جرت الفلك في الماء ، وبعد ذلك كله يبقى أن الله هو حارس الفلك وحاميها فوق ثبج الأمواج وسط العواصف والأنواء ، حيث لا عاصم لها إلا الله . فهي تجري بنعمة الله وفضله على كل حال . ثم هي تجري حاملة نعمة الله وفضله كذلك . والتعبير يشمل هذا المعنى وذاك : ( ليريكم من آياته ) . . وهي معروضة للرؤية ، يراها من يريد أن يرى ؛ وليس بها من غموض ولا خفاء . . ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) . . صبار في الضراء ، شكور في السراء ؛ وهما الحالتان اللتان تتعاوران الإنسان .
ولكن الناس لا يصبرون ، ولا يشكرون ، إنما يصيبهم الضر فيجأرون ، وينجيهم الله من الضر فلا يشكر منهم إلا القليل :
{ ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور }
بنعمة الله : بما تحمله من الطعام والمتاع ونحوهما .
من شأن القرآن أن يلفت أنظار الناس وان يرشدهم إلى أنعم الله حولهم فقد سبق أن لفت نظرهم إلى ما في السماء من تسخير الشمس والقمر والليل والنهار وفي هذه الآية يلفت النظر إلى أنعم الله في الأرض والبحر فالفلك والسفن تجري فوق سطح الماء وتحركها الرياح التي سخرها العليم القدير فأنعم الله تحركها وهي في نفس الوقت تحمل التجارة والطعام والفواكه والأرزاق من بلد إلى آخر فيستفيد المصدر والمستورد ويريح التاجر ويستفيد الناس وفي هذه النعم دلائل بينات لكل صبار كثير الصبر على البأساء شكور كبير الشكر على النعماء .
فالصبر نصف الإيمان ومن دلائل الإيمان الصبر على البأساء والشكر على النعماء والرضا بالقضاء .
وراكب البحر إذا كانا مؤمنا صبر على الأنواء والرياح العاتية منتظرا الفرج فإذا سارت الريح رخاء وهدا الموج شكر الله تعالى على أنعمه فهو الجدير بأن يرى آيات الله أمامه متمثلة في أنعمه العديدة فيصبر على الشدائد ويشكر الله على النعم المتعددة كما قال تعالى :
{ ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور }
وقال سبحانه وتعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } . ( إبراهيم : 7 ) .
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( 31 ) وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } .
ذلك تنبيه من الله على ما منَّ به على عباده من الآلاء وهي كثيرة ومختلفة لا تحصى لكثرتها . ومن جملة ذلك : تسخير السفن { تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ } أي بلطفه وتسخيره كيلا يغرقوا . وذلك بما أودع الله الأجسام من خصوصية الطفو فوق سطح الماء . فما من جسم ذي كثافة أقل من كثافة الماء إلا يطفو على الماء فلا يغرق . لا جرم أن الذي بث هذه الخصوصية لهو الله الخالق المقتدر . وهو قوله : { لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ } { من } ، للتبعيض ؛ أي ليريكم بعض علاماته ، وحججه الدالة على قدرته وعظيم مشيئته .
قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي فيما ذكر من الحجج الباهرة البلجة وبينات يتدبرها ويتعظ بها كل صبار شكور أي شديد الصبر على طاعة الله ، والتزام شرعه وأوامره ، ومجانبة نواهيه وزواجره ، وكثير الشكر على أنعمه الجليلة كنعمة الإسلام خاصة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.