في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنۡ ءَايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (31)

( ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته ? إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ، فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ، وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) . .

والفلك تجري في البحر وفق النواميس التي أودعها الله البحر والفلك والريح والأرض والسماء . فخلقة هذه الخلائق بخواصها هذه هي التي جعلت الفلك تجري في البحر ولا تغطس أو تقف . ولو اختلت تلك الخواص أي اختلال ما جرت الفلك في البحر . لو اختلت كثافة الماء أو كثافة مادة الفلك . لو اختلت نسبة ضغط الهواء على سطح البحر . لو اختلت التيارات المائية والهوائية . لو اختلت درجة الحرارة عن الحد الذي يبقي الماء ماء ، ويبقي تيارات الماء والهواء في الحدود المناسبة . . لو اختلت نسبة واحدة أي اختلال ما جرت الفلك في الماء ، وبعد ذلك كله يبقى أن الله هو حارس الفلك وحاميها فوق ثبج الأمواج وسط العواصف والأنواء ، حيث لا عاصم لها إلا الله . فهي تجري بنعمة الله وفضله على كل حال . ثم هي تجري حاملة نعمة الله وفضله كذلك . والتعبير يشمل هذا المعنى وذاك : ( ليريكم من آياته ) . . وهي معروضة للرؤية ، يراها من يريد أن يرى ؛ وليس بها من غموض ولا خفاء . . ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) . . صبار في الضراء ، شكور في السراء ؛ وهما الحالتان اللتان تتعاوران الإنسان .

ولكن الناس لا يصبرون ، ولا يشكرون ، إنما يصيبهم الضر فيجأرون ، وينجيهم الله من الضر فلا يشكر منهم إلا القليل :