الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنۡ ءَايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (31)

قوله تعالى : " ألم تر أن الفلك " أي السفن " تجري " في موضع الخبر . " في البحر بنعمة الله " أي بلطفه بكم وبرحمته لكم في خلاصكم منه . وقرأ ابن هرمُز : " بنعمات الله " جمع نعمة وهو جمع السلامة ، وكان الأصل تحريك العين فأسكنت . " ليريكم من آياته " " من " للتبعيض ، أي ليريكم جري السفن . قاله يحيى بن سلام . وقال ابن شجرة : " من آياته " ما تشاهدون من قدرة الله تعالى فيه . النقاش : ما يرزقهم الله منه . وقال الحسن : مفتاح البحار السفن ، ومفتاح الأرض الطرق ، ومفتاح السماء الدعاء . " إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " أي صبار لقضائه شكور على نعمائه . وقال أهل المعاني : أراد لكل مؤمن بهذه الصفة ؛ لأن الصبر والشكر من أفضل خصال الإيمان . والآية : العلامة ، والعلامة لا تستبين في صدر كل مؤمن إنما تستبين لمن صبر على البلاء وشكر على الرخاء . قال الشعبي : الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كله ؛ ألم تر إلى قوله تعالى : " إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " وقوله : " وفي الأرض آيات للموقنين " {[12624]} [ الذاريات : 20 ] وقال عليه السلام : ( الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ) .


[12624]:راجع ج 17 ص 39.