في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

وأما التحدث بنعمة الله - وبخاصة نعمة الهدى والإيمان - فهو صورة من صور الشكر للمنعم . يكملها البر بعباده ، وهو المظهر العملي للشكر ، والحديث الصامت النافع الكريم . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

11- وأما بنعمة ربك فحدث .

اشكر نعمة الإيمان والإحسان ، والوحي والعلم والفرقان ، وذلك بالتحدث بها إبلاغا وتعليما وتربية وهداية ، ومن التحدث بالنعمة إظهار فضل الله على الإنسان ، وإعطاء المحتاجين ، وشكر من أسدى إلينا جميلا .

أخرج أبو داود ، والترمذي وصححه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس )iv .

قال العلماء المحققون : التحدث بنعم الله تعالى جائز مطلقا ، بل مندوب إليه إذا كان الغرض أن يقتدي به غيره ، أو أن يشكر ربه بلسانه ، وإذا لم يأمن على نفسه الفتنة والإعجاب فالستر أفضل .

ختام السورة:

فائدة

روي عن الشافعي أنه رأى أن التكبير سنة في خاتمة سورة الضحى إلى آخر القرآن ، لأنه حين انقطع الوحي ثم نزلت سورة الضحى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر ) ، تصديقا لما أتى به القرآن .

وفي القرى المصرية يتوارث القرّاء أن يقولوا عقب سورة الضحى وما بعدها : ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ) وهي سنة عملية من فعلها فحسن ، ومن ترك فلا حرج ، والله أعلم .

قال المفسرون :

ولفظ التكبير إما بأن يقول : ( الله أكبر ) .

أو يقول : ( لا إله إلا الله والله أكبر ) .

وقد كان الفراغ من تفسير سورة ( الضحى ) ظهر يوم الخميس 8 من ربيع الأول 1422 ه ، الموافق 31/5/2001 بمسجد حراء بمنطقة المقطم ، بالقاهرة .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

i دراسات في السيرة النبوية د . حسين مؤنس ص78 طبعة بنك فيصل الإسلامي .

ii انا وكافل اليتيم :

تقدم تخريجه ، انظر هامش ( 99 ) .

iii إن الناس لكم تبع :

روه الترمذي في العلم ( 2650 ) وابن ماجة في المقدمة ( 249 ) من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ : إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرضين . . . الحديث .

iv من لا يشكر الناس لا يشكر الله :

رواه أبو داود في الأدب ( 4811 ) والترمذي في البر ( 1954 ) ( 7452 ، 7879 ، 8801 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لا يشكر الناس لا يشكر الله ) . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . ورواه الترمذي في البر ( 1955 ) وأحمد في مسنده ( 10887 ) من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) . وقال الترمذي : هذا حديث صحيح . ورواه أحمد في مسنده ( 17981 ) من حديث النعمان بن بشير قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر : ( من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، التحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر ، والجماعة رحمة والفرقة عذاب ) . ورواه أحمد في مسنده ( 21331 ) من حديث الأشعث بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

{ وأما بنعمة ربك } أي بما أنعم عليك من النعم العظيمة{ فحدث } أي فاذكرها وأذعها ؛ وذلك شكرها والخطاب له ولأمته . وإنما يجوز لغيره صلى الله عليه وسلم التحدث بما عمله من الخير إذا أمن على نفسه الفتنة ، وقصد اقتداء الناس به .

وندب التكبير عند خاتمة هذه السورة وما بعدها إلى آخر القرآن العظيم ، بلفظ : لا إله إلا الله ، والله أكبر . أو ذلك مع زيادة : ولله الحمد .

والله أعلم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني: اشكر الله على ما ذكر في هذه السورة ، وما صنع الله عز وجل بك من الخير ، إذ قال : ألم تكن كذا ، ففعلت بك كذا ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"أمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ" : يقول : فاذكره ... عن مجاهد ، في قوله : "وَأمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ" قال : بالنبوّة ...

عن أبي نضرة ، قال : كان المسلمون يرون أن من شُكْرِ النعم أن يحدّثَ بها .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يقول : حدثهم بنعم الله تعالى التي أنعم الله عليك ، وهو هذا القرآن ، إذ القرآن من أعظم ما أنعم الله عليه ، فأمره بالتحدث بما عليه من النعم ليعرفوا عظيم ما أنعم الله عليه من الاختصاص لهم حين جعلهم من أمته ومن قومه ، أو أمره أن يقرأه ، ويحدث بما فيه ...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

وحكم الآية [ عام ] في جميع الإنعام ....

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

في هذه النعمة ثلاثة تأويلات :

أحدها : النبوة ، قاله ابن شجرة ، ويكون تأويل قوله فحدث أي ادعُ قومك .

الثاني : أنه القرآن ، قاله مجاهد ، ويكون قوله : فحدث أي فبلّغ أمتك ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

التحديث بنعمة الله : شكرها وإشاعتها ، يريد : ما ذكره من نعمة الإيواء والهداية والإغناء وما عدا ذلك ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ وأما بنعمة ربك }... أي فاذكر النبوة وبلغ الرسالة فاذكر جميع نعمه عليك فإنها نعم على الخلق كافة.... ..

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وأما التحدث بنعمة الله - وبخاصة نعمة الهدى والإيمان - فهو صورة من صور الشكر للمنعم . يكملها البر بعباده ، وهو المظهر العملي للشكر ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وقوله : { وأما بنعمة ربك فحدث } مقابل قوله : { ووجدك عائلاً فأغنى } [ الضحى : 8 ] .

فإن الإغناء نعمة فأمره الله أن يظهر نعمة الله عليه بالحديث عنها وإعلان شكرها .

وليس المراد بنعمة ربك نعمة خاصة وإنما أريد الجنس فيفيد عموماً في المقام الخطابي ، أي حدث ما أنعم الله به عليك من النعم ، فحصل في ذلك الأمر شكر نِعمة الإِغناء ، وحصل الأمر بشكر جميع النعم لتكون الجملة تذييلاً جامعاً .

فإن جعل قوله : { وأما السائل فلا تنهر } مقابل قوله { ووجدك عائلاً فأغنى } على طريقة اللف والنشر المشوش، كان قوله : { وأما بنعمة ربك فحدث } مقابل قوله : { ووجدك ضالاً فهدى } [ الضحى : 7 ] على طريقة اللف والنشر المشوش أيضاً .

وكان المراد بنعمة ربه نعمة الهداية إلى الدين الحق .

والتحديث : الإِخبار ، أي أخْبِر بما أنعم الله عليك اعترافاً بفضله ، وذلك من الشكر ، والقول في تقديم المجرور وهو { بنعمة ربك } على متعلَّقه كالقول في تقديم { فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر } .

والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم فمقتضى الأمر في المواضع الثلاثة أن تكون خاصة به ، وأصل الأمر الوجوب ، فيعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واجب عليه ما أمر به ، وأما مخاطبة أمته بذلك فتجري على أصل مساواة الأمة لنبيها فيما فرض عليه ما لم يدلّ دليل على الخصوصية ، فأما مساواة الأمة له في منع قهر اليتيم ونهر السائل فدلائله كثيرة مع ما يقتضيه أصل المساواة .

وأما مساواة الأمة له في الأمر بالتحدث بنعمة الله، فإن نعم الله على نبيه صلى الله عليه وسلم شتّى، منها ما لا مطمع لغيره من الأمة فيه، مثل نعمة الرسالة ونعمة القرآن ونحو ذلك من مقتضيات الاصطفاء الأكبر ، ونعمة الرب في الآية مُجملة .

فنعم الله التي أنعم بها على نبيه صلى الله عليه وسلم كثيرة منها ما يجب تحديثه به وهو تبليغه الناس أنه رسول من الله وأن الله أوحى إليه وذلك داخل في تبليغ الرسالة وقد كان يُعلم الناسَ الإِسلام فيقول لمن يخاطبه أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .

ومنها تعريفه الناس ما يجب له من البر والطاعة كقوله لمن قال له : " اعدل يا رسول الله فقال : أيأمنُني الله على وحيه ولا تأمنوني " ومنها ما يدخل التحديث به في واجب الشكر على النعمة فهذا وجوبه على النبي صلى الله عليه وسلم خالص من عُروض المعارض لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من عروض الرياء ولا يظن الناس به ذلك فوجوبه عليه ثابت .

وأما الأمة فقد يكون التحديث بالنعمة منهم محفوفاً برياء أو تفاخر . وقد ينكسر له خاطر من هو غير واجد مثل النعمة المتحدث بها . وهذا مجال للنظر في المعارضة بين المقتضي والمانع ، وطريقة الجمع بينهما إن أمكن أو الترجيح لأحدهما ...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 9]

وختمت هذه السورة الكريمة بالدعوة إلى كفالة اليتيم والإحسان إليه ، وإكرام السائل والعطف عليه ، والتحدث بنعم الله التي أنعم بها على رسوله والمؤمنين ، وعلى رأسها نعمة الإيمان والإسلام ، والذكر الحكيم الذي أنزله الله رحمة للعالمين ، وذلك قوله تعالى : { فأما اليتيم فلا تقهر9 } ، أي : اكفله وقربه وأصلح أمره ، { وأمّا السائل فلا تنهر10 } ، أي : إما أن تعطيه مما أعطاك الله ، أو تعده ، أو ترده ردا جميلا بكلمة طيبة، ويندرج تحت هذه الآية السائل عن دينه من أجل البيان والمعرفة . { وأما بنعمة ربك فحدث11 } ، أي : اشكر إحسان الله إليك وإنعامه عليك ، بالجوارح واللسان والجنان .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

{ وأما بنعمة ربك } أي النبوة والقرآن { فحدث } أخبر بها

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

ولما ذكر له تفصيل ما يفعل في اليتيم والفقير والجاهل ، أمره بما يفعل في العلم الذي آتاه إياه إعلاماً بأنه الآلة التي يستعملها في الأمرين الماضيين وغيرهما لأنها أشرف أحوال الإنسان وهي أوفق الأمور لأن يكون مقطع السورة لتوافق مطلعها فقال : { وأما بنعمة ربك } أي الذي أحسن إليك بإصلاح جميع ما يهمك من العلم وغيره وبالهجرة ومبادئها عند تمام عدد آيها من السين وهي إحدى عشرة { فحدث * } أي فاذكر النبوة وبلغ الرسالة فاذكر جميع نعمه عليك فإنها نعم على الخلق كافة ، ومنها إنقاذك بالهجرة من أيدي الكفرة وإعزازك بالأنصار ، وتحديثك بها شكرها ، فإنك مرشد يحتاج الناس إلى الاقتداء بك ، ويجب عليهم أن يعرفوا لك ذلك ويتعرفوا مقدارك ليؤدوا حقك ، فحدثهم أني ما ودعتك ولا قليتك ، ومن قال ذلك فقد خاب وافترى ، واشرح لهم تفاصيل ذلك بما وهبتك من العلم الذي هو أضوأ من ضياء الضحى وقد رجع آخرها على أولها بالتحديث بهذا القسم والمقسم لأجله ، وما للملك الأعلى في ذلك من عميم فضله : ولقد امتثل صلى الله عليه وسلم وابتدأ هذا التحديث الذي يشرح الصدور ، ويملأ الأكوان من السرور ، والنعمة والحبور ، لأنه بأكبر النعم المزيلة لكل النقم بالتكبير كما ورد في قراءة ابن كثير وفي رواية السوسي عن أبي عمرو ، واختلف القراء في ابتدائه وانتهائه ولفظه ، فقال بعضهم : هو من أول الضحى ، وقال آخرون : من آخرها ، وقال غيرهم من أول الشرح ، فمن قال للأول لم يكبر آخر الناس ، ومن قال للآخر انتهى تكبيره بالتكبير في آخرها ، وسببه أن جبريل عليه الصلاة والسلام لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي ، فتلا السورة عليه كبر مسروراً لما كان أحزنه من الفترة ومن قول المشركين : قلاه ربه ، وتحديثاً بالنعم التي حباه الله بها في هذه السورة له ولأمته امتثالاً لما أمر به واختلف عنهم في لفظه ، فمنهم من اقتصر على " الله أكبر " ومنهم من زاد التهليل فقال : " لا إله إلا الله والله أكبر " وهذا هو المستعمل ، ومنهم من زاد " ولله الحمد " والراجح قول من قال : إنه لآخر الضحى إسناداً ومعنى ، لأنها وإن كانت هي السبب والعادة جارية بأن من دهمه أمر عظيم يكبر مع أوله ، لكن شغله صلى الله عليه وسلم بالإصغاء إلى ما يوحى إليه منعه من ذلك ، فلما ختمت السورة تفرغ له ، فكان ذلك الوقت كأنه ابتداء مفاجأة ذلك الأمر العظيم له ، وزاد ما في السورة من جلائل النعم المقتضية للتحميد وما في ذلك من بدائع الصنع الموجب للتهليل ، وقد علم بذلك سبب من ظنه في أولها ، وأما من ظنه لأول الشرح فكونه كان في آخر الضحى ، فإذا وصل بها " ألم نشرح " ألبس الحال ، وتعليق الأشياء بالأوائل هو الأمر المعتاد ، وحكمته مع ما مضى من سببه أن التهليل توحيده سبحانه وتعالى بالأمر ، وامتناع شريك يمنعه من شيء يريده من الوحي وغيره ، والتكبير تفريده له بالكبرياء تنزيهاً له عن شوب نقص يلم به من أن يتجدد له علم ما لم يكن ليكون ذلك سبباً لقطع من وصله بوحي أو غيره ، والتحميد إثبات التفرد بالكمال له على إسباغ نعمه ، وفي ذلك أن هذه السورة آذنت بأن القرآن أشرف على الختام ، لأن عادة الحكماء من المدبرين تخفيف المنازل في الأواخر على السائرين كتخفيف أول مرحلة رفقاً بالمقصرين ، فناسب الذكر بهذا عند الآخر لأن تذكر الانقضاء يهيج مثل ذلك عند السالك ، ولأن تقصير السور ربما أوهم شيئاً مما لا يليق ، فسن التنزيه بتكبيره سبحانه وتعالى عن كل ما يوهم نقصاً ، وإثبات الكمال له بالتوحيد منبه على الحث على تدبر ما في هذه السورة من الجمع للمعاني على وجازتها وقصر آياتها وحلاوتها مع ما في ذلك من تخفيف التعليم ، والتدريب على الحفظ في المبادىء والتحبيب فيه والتهميم ، والتحميد على إتمام النعمة على غاية الإحكام من لدن حكيم عليم .

ختام السورة:

وقد رجع آخرها على أولها بالتحديث بهذا القسم والمقسم لأجله ، وما للملك الأعلى في ذلك من عميم فضله : ولقد امتثل صلى الله عليه وسلم وابتدأ هذا التحديث الذي يشرح الصدور ، ويملأ الأكوان من السرور ، والنعمة والحبور ، لأنه بأكبر النعم المزيلة لكل النقم بالتكبير كما ورد في قراءة ابن كثير وفي رواية السوسي عن أبي عمرو ، واختلف القراء في ابتدائه وانتهائه ولفظه ، فقال بعضهم : هو من أول الضحى ، وقال آخرون : من آخرها ، وقال غيرهم من أول الشرح ، فمن قال للأول لم يكبر آخر الناس ، ومن قال للآخر انتهى تكبيره بالتكبير في آخرها ، وسببه أن جبريل عليه الصلاة والسلام لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي ، فتلا السورة عليه كبر مسروراً لما كان أحزنه من الفترة ومن قول المشركين : قلاه ربه ، وتحديثاً بالنعم التي حباه الله بها في هذه السورة له ولأمته امتثالاً لما أمر به واختلف عنهم في لفظه ، فمنهم من اقتصر على " الله أكبر " ومنهم من زاد التهليل فقال : " لا إله إلا الله والله أكبر " وهذا هو المستعمل ، ومنهم من زاد " ولله الحمد " والراجح قول من قال : إنه لآخر الضحى إسناداً ومعنى ، لأنها وإن كانت هي السبب والعادة جارية بأن من دهمه أمر عظيم يكبر مع أوله ، لكن شغله صلى الله عليه وسلم بالإصغاء إلى ما يوحى إليه منعه من ذلك ، فلما ختمت السورة تفرغ له ، فكان ذلك الوقت كأنه ابتداء مفاجأة ذلك الأمر العظيم له ، وزاد ما في السورة من جلائل النعم المقتضية للتحميد وما في ذلك من بدائع الصنع الموجب للتهليل ، وقد علم بذلك سبب من ظنه في أولها ، وأما من ظنه لأول الشرح فكونه كان في آخر الضحى ، فإذا وصل بها " ألم نشرح " ألبس الحال ، وتعليق الأشياء بالأوائل هو الأمر المعتاد ، وحكمته مع ما مضى من سببه أن التهليل توحيده سبحانه وتعالى بالأمر ، وامتناع شريك يمنعه من شيء يريده من الوحي وغيره ، والتكبير تفريده له بالكبرياء تنزيهاً له عن شوب نقص يلم به من أن يتجدد له علم ما لم يكن ليكون ذلك سبباً لقطع من وصله بوحي أو غيره ، والتحميد إثبات التفرد بالكمال له على إسباغ نعمه ، وفي ذلك أن هذه السورة آذنت بأن القرآن أشرف على الختام ، لأن عادة الحكماء من المدبرين تخفيف المنازل في الأواخر على السائرين كتخفيف أول مرحلة رفقاً بالمقصرين ، فناسب الذكر بهذا عند الآخر لأن تذكر الانقضاء يهيج مثل ذلك عند السالك ، ولأن تقصير السور ربما أوهم شيئاً مما لا يليق ، فسن التنزيه بتكبيره سبحانه وتعالى عن كل ما يوهم نقصاً ، وإثبات الكمال له بالتوحيد منبه على الحث على تدبر ما في هذه السورة من الجمع للمعاني على وجازتها وقصر آياتها وحلاوتها مع ما في ذلك من تخفيف التعليم ، والتدريب على الحفظ في المبادىء والتحبيب فيه والتهميم ، والتحميد على إتمام النعمة على غاية الإحكام من لدن حكيم عليم .