نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

ولما ذكر له تفصيل ما يفعل في اليتيم والفقير والجاهل ، أمره بما يفعل في العلم الذي آتاه إياه إعلاماً بأنه الآلة التي يستعملها في الأمرين الماضيين وغيرهما لأنها أشرف أحوال الإنسان وهي أوفق الأمور لأن يكون مقطع السورة لتوافق مطلعها فقال : { وأما بنعمة ربك } أي الذي أحسن إليك بإصلاح جميع ما يهمك من العلم وغيره وبالهجرة ومبادئها عند تمام عدد آيها من السين وهي إحدى عشرة { فحدث * } أي فاذكر النبوة وبلغ الرسالة فاذكر جميع نعمه عليك فإنها نعم على الخلق كافة ، ومنها إنقاذك بالهجرة من أيدي الكفرة وإعزازك بالأنصار ، وتحديثك بها شكرها ، فإنك مرشد يحتاج الناس إلى الاقتداء بك ، ويجب عليهم أن يعرفوا لك ذلك ويتعرفوا مقدارك ليؤدوا حقك ، فحدثهم أني ما ودعتك ولا قليتك ، ومن قال ذلك فقد خاب وافترى ، واشرح لهم تفاصيل ذلك بما وهبتك من العلم الذي هو أضوأ من ضياء الضحى وقد رجع آخرها على أولها بالتحديث بهذا القسم والمقسم لأجله ، وما للملك الأعلى في ذلك من عميم فضله : ولقد امتثل صلى الله عليه وسلم وابتدأ هذا التحديث الذي يشرح الصدور ، ويملأ الأكوان من السرور ، والنعمة والحبور ، لأنه بأكبر النعم المزيلة لكل النقم بالتكبير كما ورد في قراءة ابن كثير وفي رواية السوسي عن أبي عمرو ، واختلف القراء في ابتدائه وانتهائه ولفظه ، فقال بعضهم : هو من أول الضحى ، وقال آخرون : من آخرها ، وقال غيرهم من أول الشرح ، فمن قال للأول لم يكبر آخر الناس ، ومن قال للآخر انتهى تكبيره بالتكبير في آخرها ، وسببه أن جبريل عليه الصلاة والسلام لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي ، فتلا السورة عليه كبر مسروراً لما كان أحزنه من الفترة ومن قول المشركين : قلاه ربه ، وتحديثاً بالنعم التي حباه الله بها في هذه السورة له ولأمته امتثالاً لما أمر به واختلف عنهم في لفظه ، فمنهم من اقتصر على " الله أكبر " ومنهم من زاد التهليل فقال : " لا إله إلا الله والله أكبر " وهذا هو المستعمل ، ومنهم من زاد " ولله الحمد " والراجح قول من قال : إنه لآخر الضحى إسناداً ومعنى ، لأنها وإن كانت هي السبب والعادة جارية بأن من دهمه أمر عظيم يكبر مع أوله ، لكن شغله صلى الله عليه وسلم بالإصغاء إلى ما يوحى إليه منعه من ذلك ، فلما ختمت السورة تفرغ له ، فكان ذلك الوقت كأنه ابتداء مفاجأة ذلك الأمر العظيم له ، وزاد ما في السورة من جلائل النعم المقتضية للتحميد وما في ذلك من بدائع الصنع الموجب للتهليل ، وقد علم بذلك سبب من ظنه في أولها ، وأما من ظنه لأول الشرح فكونه كان في آخر الضحى ، فإذا وصل بها " ألم نشرح " ألبس الحال ، وتعليق الأشياء بالأوائل هو الأمر المعتاد ، وحكمته مع ما مضى من سببه أن التهليل توحيده سبحانه وتعالى بالأمر ، وامتناع شريك يمنعه من شيء يريده من الوحي وغيره ، والتكبير تفريده له بالكبرياء تنزيهاً له عن شوب نقص يلم به من أن يتجدد له علم ما لم يكن ليكون ذلك سبباً لقطع من وصله بوحي أو غيره ، والتحميد إثبات التفرد بالكمال له على إسباغ نعمه ، وفي ذلك أن هذه السورة آذنت بأن القرآن أشرف على الختام ، لأن عادة الحكماء من المدبرين تخفيف المنازل في الأواخر على السائرين كتخفيف أول مرحلة رفقاً بالمقصرين ، فناسب الذكر بهذا عند الآخر لأن تذكر الانقضاء يهيج مثل ذلك عند السالك ، ولأن تقصير السور ربما أوهم شيئاً مما لا يليق ، فسن التنزيه بتكبيره سبحانه وتعالى عن كل ما يوهم نقصاً ، وإثبات الكمال له بالتوحيد منبه على الحث على تدبر ما في هذه السورة من الجمع للمعاني على وجازتها وقصر آياتها وحلاوتها مع ما في ذلك من تخفيف التعليم ، والتدريب على الحفظ في المبادىء والتحبيب فيه والتهميم ، والتحميد على إتمام النعمة على غاية الإحكام من لدن حكيم عليم .

ختام السورة:

وقد رجع آخرها على أولها بالتحديث بهذا القسم والمقسم لأجله ، وما للملك الأعلى في ذلك من عميم فضله : ولقد امتثل صلى الله عليه وسلم وابتدأ هذا التحديث الذي يشرح الصدور ، ويملأ الأكوان من السرور ، والنعمة والحبور ، لأنه بأكبر النعم المزيلة لكل النقم بالتكبير كما ورد في قراءة ابن كثير وفي رواية السوسي عن أبي عمرو ، واختلف القراء في ابتدائه وانتهائه ولفظه ، فقال بعضهم : هو من أول الضحى ، وقال آخرون : من آخرها ، وقال غيرهم من أول الشرح ، فمن قال للأول لم يكبر آخر الناس ، ومن قال للآخر انتهى تكبيره بالتكبير في آخرها ، وسببه أن جبريل عليه الصلاة والسلام لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي ، فتلا السورة عليه كبر مسروراً لما كان أحزنه من الفترة ومن قول المشركين : قلاه ربه ، وتحديثاً بالنعم التي حباه الله بها في هذه السورة له ولأمته امتثالاً لما أمر به واختلف عنهم في لفظه ، فمنهم من اقتصر على " الله أكبر " ومنهم من زاد التهليل فقال : " لا إله إلا الله والله أكبر " وهذا هو المستعمل ، ومنهم من زاد " ولله الحمد " والراجح قول من قال : إنه لآخر الضحى إسناداً ومعنى ، لأنها وإن كانت هي السبب والعادة جارية بأن من دهمه أمر عظيم يكبر مع أوله ، لكن شغله صلى الله عليه وسلم بالإصغاء إلى ما يوحى إليه منعه من ذلك ، فلما ختمت السورة تفرغ له ، فكان ذلك الوقت كأنه ابتداء مفاجأة ذلك الأمر العظيم له ، وزاد ما في السورة من جلائل النعم المقتضية للتحميد وما في ذلك من بدائع الصنع الموجب للتهليل ، وقد علم بذلك سبب من ظنه في أولها ، وأما من ظنه لأول الشرح فكونه كان في آخر الضحى ، فإذا وصل بها " ألم نشرح " ألبس الحال ، وتعليق الأشياء بالأوائل هو الأمر المعتاد ، وحكمته مع ما مضى من سببه أن التهليل توحيده سبحانه وتعالى بالأمر ، وامتناع شريك يمنعه من شيء يريده من الوحي وغيره ، والتكبير تفريده له بالكبرياء تنزيهاً له عن شوب نقص يلم به من أن يتجدد له علم ما لم يكن ليكون ذلك سبباً لقطع من وصله بوحي أو غيره ، والتحميد إثبات التفرد بالكمال له على إسباغ نعمه ، وفي ذلك أن هذه السورة آذنت بأن القرآن أشرف على الختام ، لأن عادة الحكماء من المدبرين تخفيف المنازل في الأواخر على السائرين كتخفيف أول مرحلة رفقاً بالمقصرين ، فناسب الذكر بهذا عند الآخر لأن تذكر الانقضاء يهيج مثل ذلك عند السالك ، ولأن تقصير السور ربما أوهم شيئاً مما لا يليق ، فسن التنزيه بتكبيره سبحانه وتعالى عن كل ما يوهم نقصاً ، وإثبات الكمال له بالتوحيد منبه على الحث على تدبر ما في هذه السورة من الجمع للمعاني على وجازتها وقصر آياتها وحلاوتها مع ما في ذلك من تخفيف التعليم ، والتدريب على الحفظ في المبادىء والتحبيب فيه والتهميم ، والتحميد على إتمام النعمة على غاية الإحكام من لدن حكيم عليم .