غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

1

ثم أمره بأن يحدث الناس بما أنعم به عليه من الإيواء والهداية والإغناء وغيره . واعلم أنه تعالى نهاه عن شيئين وأمره بواحد ، نهاه عن قهر اليتيم جزاء لما أنعم به عليه في قوله { ألم يجدك يتيماً فآوى } ونهاه عن نهر السائل في مقابلة قوله { ووجدك عائلاً فأغنى } وأمره بتحديث نعمه ربه وهو في مقابلة قوله { ووجدك ضالاً فهدى } فالأنسب أن يكون المراد به التبليغ وأداء الرسالة وتكميل الناقصين بالدعاء إلى الدين كما قال مجاهد . ولقد روعي في الترتيب نكتة لطيفة فقدّم في معرض المنة النعمة الدينية وهي الهداية على النعمة الدنيوية وهي الإغناء وإما في معرض الإرشاد فقدّم الإشفاق على الخلق ، وأخر التحديث ليكون أدخل في الاستمالة وأجلب للدواعي فإنه ما لم ينتظم أمر المعاش لم تفرغ الخواطر لقبول التكاليف والتزام أمر المعاد . قال المحققون : التحديث بنعم الله تعالى جائز مطلقاً بل مندوب إليه إذا كان الغرض أن يقتدي غيره به أو أن يشيع شكر ربه بلسانه ، وإذا لم يأمن على نفسه الفتنة والإعجاب فالستر أفضل . قالوا : إنما أخر التحديث تقديماً لحظ الخلق على حظ نفسه لأنه غني وهم المحتاجون ولهذا رضي نفسه بالقول فقط ، ولأن الاستغراق في بحر الشكر ومعرفة المنعم غاية الغايات ونهاية الطاعات .

/خ11