فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

{ وأما بنعمة ربك فحدث } أمره سبحانه بالتحدث بنعم الله عليه وإظهارها للناس وإشهارها بينهم ، والظاهر النعمة على العموم من غير تخصيص بفرد من أفرادها أو نوع من أنواعها ، وقال مجاهد والكلبي المراد بالنعمة هنا القرآن ، قال الكلبي وكان القرآن أعظم ما أنعم الله به عليه فأمره أن يقرأه ، قال الفراء وكان يقرأه ويحدث به ، وقال مجاهد أيضا المراد بالنعمة النبوة التي أعطاه الله ، واختار هذا الزجاج فقال أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أعطاك الله وهي أجل النعم ، وقال مقاتل يعني أشكر ما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من الهدى بعد الضلالة وجبر اليتيم والإغناء بعد العيلة ، فاشكر هذه النعم ، والتحدث بنعمة الله شكر .

وهذا الأمر صلى الله عليه وآله وسلم هو أمر له ولأمته لأنهم أسوته في كل ما يأتي ويذر ، قال الحسن بن علي في الآية ما عملت من الخير وعنه قال إذا أصبت خيرا فحدث إخوانك ، وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركه كفر ، والجماعة رحمة " أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبيهقي في الشعب والخطيب في المتفق ، قال السيوطي بسند ضعيف .

وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أبلى بلاء فذكره فقد شكره وإن كتمه فقد كفره " أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي والضياء .

وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود والضياء عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من أعطى عطاء فوجد فليجز به فإن لم يجد فليثن به ، فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره ، ومن تحلى بما لم يعط فإنه كلابس ثوبي زور " .

وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أولي معروفا فليكافئ به فإن لم يستطع فليذكره فإن من ذكره فقد شكره " أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي .

قال الكرخي والجار والمجرور متعلق بحدث والفاء غير مانعة من ذلك لأنها كالزائدة والتحدث بها نشرها بالشكر والثناء عليه تعالى .

وقوله تعالى { فأما اليتيم فلا تقهر } مقابل لقوله { ألم يجدك يتيما فآوى } وقوله { وأما السائل } الخ مقابل لقوله { ووجدك عائلا فأغنى } وأما قوله { وأما بنعمة ربك } الخ فجيء به على العموم .

وفي حكمة تأخير حق الله تعالى عن حق اليتيم والسائل وجوه .

إحداهما : *** أن الله غني وهما محتاجان ، وتقديم المحتاج أولى .

وثانيها : *** أنه وضع في حظهما الفعل ورضى لنفسه بالقول .

وثالثها : *** أن المقصود من جميع الطاعات استغراق القلب في ذكر الله فختمت به ، وأوثر فحدث على فخبر ليكون عنده حديثا لا ينساه .