اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ} (11)

قوله : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } . الجار متعلق ب «حدِّثْ » والفاء غير مانعة من ذلك قال مجاهدٌ : تلك النعمة هي القرآن والحديث{[60433]} .

وعنه أيضاً : تلك النعمة هي النبوة ، أي : بلغ ما أنزل إليك من ربك قيل : تلك النعمة هي أن وفقك الله تعالى ، ورعيت حق اليتيم والسائل ، فحدث بها ؛ ليقتدي بك غيرك .

وعن الحسين علي - رضي الله عنهما - قال : إذا عملت خيراً فحدث به الثقة من إخوانك ليقتدوا بك{[60434]} . إلا أنَّ هذا لا يحسن إلا إذا لم يتضمن رياء ، وظن أن غيره يقتدي به .

وروى مالك بن نضلة الجشمي ، قال : «كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرآني رثَّ الثياب فقال : «أَلَكَ مَالٌ » ؟ .

قلت : نعم ، يا رسول الله ، من كل المال ، قال : «إذَا آتَاكَ اللهُ مالاً فليُرَ أثرهُ عَلَيْكَ » .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ اللهَ تعالى جَميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ، ويُحِبُّ أنْ يَرَى أثَرَ نِعْمَتِهِ على عَبْدِه »ِ{[60435]} .

فإن قيل : ما الحكمة في أن الله أخر نفسه على حق اليتيم والسائل ؟ .

فالجواب : كأنه سبحانه وتعالى يقول : أنا غني ، وهما محتاجان ، وحق المحتاج أولى بالتقديم ، واختار قوله : «فحدث » على قوله «فخبِّر »ْ ليكون ذلك حديثاً عنه وينساه ، ويعيده مرة أخرى

ختام السورة:

فصل

يكبر القارىء في رواية البزي عن ابن كثير{[1]} وقد رواه مجاهد عن ابن عباس وروي عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بلغ آخر «الضُّحَى » كبَّر بين كلِّ سورةٍ تكبيرة إلى أن يختم القرآن ، ولا يصل آخر السورة بتكبيرة{[2]} ، بل يفصل بينهما بسكتة ، وكأن المعنى في ذلك أن الوحي تأخّر عن النبي صلى الله عليه وسلم أياماً ، فقال ناس من المشركين : قد ودعه صاحبه ، فنزلت هذه السورة فقال : «اللهُ أكْبَر »ُ .

قال مجاهد : قرأت على ابن عبّاس ، فأمرني به ، وأخبرني به عن أبيٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ولا يكبر في [ رواية ]{[3]} الباقين ، لأنها ذريعة إلى الزيادة في القرآن .

قال القرطبي{[4]} : القرآن ثبت نقله بالتواتر سُوَره ، وآياته ، وحروفه بغير زيادةٍ ، ولا نقصان ، وعلى هذا فالتكبير ليس بقرآن .

روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ { والضحى } كان فيمن يرضاه الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يشفع له ، وكتب الله تعالى له من الحسنات بعدد كل يتيم وسائل »{[5]} والله أعلم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[4]:أخرجه البخاري (4/301)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر رقم (2015)، ومسلم (2/822)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها... رقم (205- 1165).
[5]:تقدم.
[60433]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/612) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60434]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/612) وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن الحسن.
[60435]:تقدم.