في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر :

( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما . وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) . .

وحين نتجاوز صدر الخطاب ، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله ، فقد بعدت عنه بما كان منها . . حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا . .

ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين . والملائكة بعد ذلك ظهير ! ليطيب خاطر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير !

ولا بد أن الموقف في حس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة . ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر - رضي الله عنهما - وهو يسأله : جاءت غسان ? فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول . وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة ، وهجومها إذ ذاك أمر خطير . ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول ! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير ، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن . وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم ! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور . وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر ، فهو إذن صحيح قويم عميق .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

1

المفردات :

إن تتوبا : حفصة وعائشة .

صغت قلوبكما : مالت قلوبكما عن الحق ، وعدلت عما يجب للرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيم وإجلال .

وإن تظاهرا عليه : تتظاهرا وتتعاونا على إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم من تعظيم وإجلال .

مولاه : وليه وناصره .

ظهير : ظهراء معانون ، وأنصار مساعدون .

التفسير :

4- { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }

تأتي هذه الآية لتوجيه عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، إلى التوبة النصوح والتفرغ إلى ذكر الله وطاعته .

وقد جرت العادة بأنّ الشئون المنزلية تشغل بال الرجال وتضيّع زمنا من تفكيرهم فيها .

وتبين الآية أن قلبي عائشة وحفصة قد انشغلا بتدبير مؤامرة ، يترتب عليها أن يزهد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض نسائه ، والنبي الكريم يربي أمة ، ويوجّه دعوة ، وينزل عليه الوحي ، ويبلّغ الوحي للناس ، ويقود الجيوش ، ويرسل السرايا ، وينظم شئون الأمة الإسلامية صباح مساء ، فينبغي أن يتوفّر له القدر الكافي من الهدوء النفسي والمعنوي .

لذلك حمل القرآن حملة قوية على عائشة وحفصة ، وذكّرهما أن قلوبهما قد مالت عن الانشغال بطاعة الله إلى عمل مؤامرة لتزهيد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض نسائه .

ومعنى الآية :

إن تتوبا إلى الله تعالى مما بدر منكما ، فذلك حق واجب ، وخير كبير ، لأن قلوبكما قد انصرفت عن الإخلاص والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحب ما يحبه ، وكراهة ما يكرهه ، إلى تدبير مؤامرة منكما ليكره بعض نسائه

وإن تتعاونا على النبي صلى الله عليه وسلم بما يسوءه ، من الوقيعة بين بنيه وبين بعض نسائه ، فإن تعاونكما وتظاهركما عليه فاشل ضائع ، لأن هناك قوة عليا ، وجيوشا متعاونة ، تؤازر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتشد أزره .

فإن الله . مولاه وناصره ، وكفى به وليا ونصيرا .

وجبريل . كذلك وليه وناصره .

وصالح المؤمنين . وأبو بكر وعمر ، والصالحون من المؤمنين نصراء له .

والملائكة بعد ذلك ظهيرا . والملائكة هم أعظم المخلوقات ، بمثابة جيش جرار ، يملأ القفار ، نُصْرة للنبي المختار ، فمن ذا الذي يستطيع أن يناوئ النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، والآية مسوقة لتعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيان منزلته العالية ، وأن الدنيا كلها تسانده ، وأيضا للتأثير العاطفي على نسائه ، حتى يَكففن عن التآمر عليه ، وحتى يتفرغ كليا لأمر دعوة الإسلام .

وقد كان يكفي أن يقال : فإن الله هو مولاه . ومن وجد الله وجد كل شيء ، ومن فقد الله فقد كل شيء ، لكن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يبين أن الكون كله معه ، فخالق الكون معه ، والكون كله معه .

وقد ثبت في الصحيح ما يفيد أن هذا الأمر شغل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعتزل نساءه شهرا ، وأنّ ذلك شق على المسلمين ، وحزنوا لغضب النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه .

ودخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله ، ما يشقّ عليك من شأن النساء ؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل ، وأبو بكر وعمر معك ، فنزلت هذه الآية موافقة لقول عمر رضي الله عنه .

والخلاصة :

إذا تظاهرتما عليه فلن يضرّه ، لأن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ، والملائكة بعد ذلك ظهير .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ فقد صغت قلوبكما } مالت عن الواجب . يقال صغا يصغو ويصغى صغوا . وصغي يصغي صغا وصغيا : مال . وصغت الشمس : مالت للغروب . ولم يقل " قلباكما " لكراهة اجتماع تثنيتين فيم هو كالكلمة الواحدة مع ظهور المراد . والجملة تعليل لجواب الشرط المحذوف ؛ أي إن تتوبا فلتوبتكما سبب فقد صغت قلوبكما . { وإن تظاهرا عليه } تتعاونا عيه بما يسوءه من الإفراط والغيرة وإفشاء سره . { فإن الله هو مولاه } ناصره ومعينه . { ظهير } معين . أي جبريل وصالح المؤمنين : أبو بكر وعمر ، والملائكة بعد نصرة الله تعالى له مظاهرون له .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

إن تتوبا : يعني حفصة وعائشة .

صغت قلوبكما : مالت إلى ما يجب للرسول الكريم من تعظيم وإجلال .

وإن تظاهرا عليه : تتظاهرا وتتعاونا على إيذاء الرسول .

ظهير : معين .

ثم وجّه تعالى الخطابَ إلى حفصةَ وعائشة مبالغةً في العتاب والتحذير فقال :

{ إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }

إن ترجعا إلى الله بالتوبة عن مثلِ هذه الأعمال التي تؤذي النبيَّ فقد مالت قلوبُكما إلى الحقّ والخير .

ثم بيّن الله أنه حافظٌ لرسوله الأمين وحارسُه فلا يَضُرُّه أذى مخلوقٍ فقال :

{ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .

إن تتعاونا يا عائشة وحفصة في العمل على ما يؤذي النبيَّ ويسوؤه من الإفراط في الغيرة وإفشاء السر ، فلن يضرّه ذلك شيئا ، فالله ناصرهُ وجبريلُ والمؤمنون الصالحون والملائكة كلّهم مظاهرون له ومعينون .

قراءات :

قرأ أهل الكوفة : تظاهرا بفتح التاء والظاء من غير تشديد . وقرأ الباقون : تظاهرا بفتح التاء والظاء المشددة .

قرأ حفص ونافع وأبو عمرو وابن عامر : جبريل بكسر الجيم والراء من غير همزة . وقرأ أبو بكر : جبرئيل بفتح الجيم والراء وهمزة قبل الياء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا إلى الله } أي من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء . يخاطب عائشة وحفصة ، { فقد صغت قلوبكما } أي زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة . قال ابن زيد : مالت قلوبهما بأن سرهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، أنبأنا عبد الله بن عباس قال : لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى لهما : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } حتى حج وحججت معه ، وعدل وعدلت معه بإداوة ، فتبرز ثم جاء ، فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ ، فقلت له : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى لهما :{ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } فقال : واعجباً لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة . ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال : إني كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد ، وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت حدثته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره ، وإذا نزل فعل مثله . وكنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ولم تنكر أن أراجعك ! فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل . فأفزعني فقلت : خابت من فعلت منهن بعظيم . ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة ، فقلت : أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل ؟ قالت : نعم ، فقلت : خابت وخسرت ، أفتأمنين أن يغضب الله تعالى لغضب رسوله فتهلكي ، لا تستكثري على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ، ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم -يريد عائشة- . قال عمر : وكنا تحدثنا أن غسان تبعث الخيل لتغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته ، فرجع عشاء فضرب بابي ضرباً شديداً وقال : أثم هو ؟ ففزعت فخرجت إليه فقال : حدث أمر عظيم ؟ فقلت : ما هو أجاءت غسان ! قال : لا بل أعظم منه وأطول ، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه . فقلت : قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون . فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل مشربة فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ألم أكن حذرتك ؟ أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : لا أدري هو ذا في المشربة . فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم ، فجلست معهم قليلاً ثم غلبني ما أجد ، فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر ، فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلي فقال : قد كلمت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرتك له فصمت ، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام : استأذن لعمر ، فدخل ثم رجع إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت : استأذن لعمر ، فاستأذن ثم رجع إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت . فلما وليت منصرفاً ، فإذا الغلام يدعوني ، فقال : قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش ، قد أثر الرمال بجنبه متكئاً على وسادة من أدم حشوها ليف ، فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم : يا رسول الله أطلقت نساءك ؟ فرفع إلي بصره فقال : لا ، فقلت : الله أكبر . ثم قلت وأنا قائم أستأنس : يا رسول الله لو رأيتني ، وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلت : يا رسول الله لو رأيتني ، ودخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -يريد عائشة- فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى ، فجلست حين رأيته يبتسم فرفعت بصري في بيته ، فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر غير أهبة ثلاثة ، فقلت : يا رسول الله ادع الله تعالى فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا من الدنيا وهم لا يعبدون الله تعالى ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً فقال : أو في هذا أنت يا ابن الخطاب ؟ إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا . فقلت : يا رسول الله استغفر لي . فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعاً وعشرين ليلة ، وكان يقول : ما أنا بداخل عليهن شهراً -من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله تعالى . فلما مضت تسع وعشرون ليلة ، دخل على عائشة رضي الله عنها فبدأ بها ، فقالت له عائشة : يا رسول الله إنك كنت أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً فإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عداً ! فقال : الشهر تسع وعشرون ، وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين ليلة . قالت عائشة : ثم أنزل الله آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه ، فاخترته ، ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن " أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخير أزواجه فبدأ بي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي بالجواب حتى تستأمري أبويك ، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، ثم قال إن الله قال : { يا أيها النبي قل لأزواجك } إلى تمام الآيتين ، فقلت : أو في هذا استأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة " .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني زهير بن حرب ، حدثنا عمر بن يونس الحنفي ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن سماك ابن زميل حدثنا عبد الله بن عباس ، حدثني عمر بن الخطاب قال : " لما اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وذكر الحديث . وقال : دخلت عليه فقلت : يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء ؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك . وقلما تكلمت -وأحمد الله تعالى- بكلام إلا رجوت أن الله يصدق قولي الذي أقول ، ونزلت هذه الآية : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } و{ إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير } " . قوله : { وإن تظاهرا عليه } أي تتظاهرا وتتعاونا على أذى النبي صلى الله عليه وسلم . قرأ أهل الكوفة بتخفيف الظاء ، والآخرون بتشديدها . { فإن الله هو مولاه } أي وليه وناصره . قوله : { وجبريل وصالح المؤمنين } روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب : { وصالح المؤمنين } أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، قال الكلبي : هم المخلصون الذي ليسوا بمنافقين . قوله :{ والملائكة بعد ذلك ظهير } قال مقاتل : بعد الله وجبريل وصالح المؤمنين ظهير ، أي : أعوان النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا من الواحد الذي يؤدي عن الجمع ، كقوله : { وحسن أولئك رفيقا }( النساء- 69 ) .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

{ إن تتوبا إلى الله } يعني عائشة وحفصة { فقد صغت قلوبكما } عدلت وزاغت عن الحق وذلك أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته { وإن تظاهرا عليه } تتعاونا على أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم { فإن الله هو مولاه } وليه وحافظه فلا يضره تظاهركما عليه وقوله { وصالح المؤمنين } قيل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم { والملائكة بعد ذلك ظهير } أي الملائكة بعد هؤلاء أعوان

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

قوله تعالى : " إن تتوبا إلى الله " يعني حفصة وعائشة ، حثهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . " فقد صغت قلوبكما " أي زاغت ومالت عن الحق . وهو أنهما أحبتا ما كره النبي صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته واجتناب العسل ، وكان عليه السلام يحب العسل والنساء . قال ابن زيد : مالت قلوبهما بأن سرهما أن يحتبس عن أم ولده ، فسرهما ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : فقد مالت قلوبكما إلى التوابة . وقال : " فقد صغت قلوبكما " ولم يقل : فقد صغى قلباكما ، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين ، من اثنين جمعوهما ؛ لأنه لا يشكل . وقد مضى هذا المعنى في " المائدة " في قوله تعالى : " فاقطعوا أيديهما{[15133]} " [ المائدة : 38 ] . وقيل : كلما ثبتت الإضافة فيه مع التثنية فلفظ الجمع أليق به ؛ لأنه أمكن وأخف . وليس قوله : " فقد صغت قلوبكما " جزاء للشرط ، لأن هذا الصغو كان سابقا ، فجواب الشرط محذوف للعلم به . أي إن تتوبا كان خيرا لكما ، إذ قد صغت قلوبكما .

قوله تعالى : " وإن تظاهرا عليه " أي تتظاهرا وتتعاونا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمعصية والإيذاء . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له ، حتى خرج حاجا فخرجت معه ، فلما رجع فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك{[15134]} لحاجة له ، فوقفت حتى فرع ، ثم سرت معه فقلت : يا أمير المؤمنين ، من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ؟ فقال : تلك حفصة وعائشة . قال فقلت له : والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك . قال : فلا تفعل ، ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه ، فإن كنت أعلمه أخبرتك . . . وذكر الحديث .

" فإن الله هو مولاه " أي وليه وناصره ، فلا يضره ذلك التظاهر منهما . " وجبريل وصالح المؤمنين " قال عكرمة وسعيد بن جبير : أبو بكر وعمر ، لأنهما أبوا عائشة وحفصة ، وقد كانا عونا له عليهما . وقيل : صالح المؤمنين علي رضي الله عنه . وقيل : خيار المؤمنين . وصالح : اسم جنس كقوله تعالى : " والعصر . إن الإنسان لفي خسر " [ العصر : 2 ] ، قاله الطبري . وقيل : " صالح المؤمنين " هم الأنبياء ، قاله العلاء بن زيادة وقتادة وسفيان . وقال ابن زيد : هم الملائكة . السدي : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : " صالح المؤمنين " ليس لفظ الواحد وإنما هو صالحو المؤمنين ، فأضاف الصالحين إلى المؤمنين ، وكتب بغير واو على اللفظ ؛ لأن لفظ الواحد والجمع واحد فيه . كما جاءت أشياء في المصحف متنوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط . وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون{[15135]} بالحصى ويقولون : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه{[15136]} - وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب - فقال عمر : فقلت لأعلمن ذلك اليوم ، قال فدخلت على عائشة فقلت : يا ابنة أبي بكر ، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقالت : مالي ومالك يا ابن الخطاب ! عليك بِعَيْبَتِك{[15137]} ! قال : فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لها : يا حفصة ، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك ، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبكت أشد البكاء ، فقلت لها : أين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : هو في خزانته في المشربة . فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا على أُسْكُفّة{[15138]} المشربة مدل رجليه على نقير من خشب ، وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر . فناديت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله ، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا . ثم قلت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا . ثم رفعت صوتي فقلت : يا رباح ، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة ، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها ، ورفعت صوتي فأومأ إلي أن اِرْقَه ؛ فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير ، فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره ، وإذا الحصير قد أثر في جنبه ، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ، ومثلها قرظا في ناحية الغرفة ؛ وإذا أَفِيقٌ{[15139]} معلق - قال - فابتدرت عيناي . قال : ( ما يبكيك يا ابن الخطاب ) ؟ قلت يا نبي الله ، ومالي لا أبكى وهذا الحصير قد أثر في جنبك ، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى ! وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته ، وهذه خزانتك ! فقال : ( يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا ) قلت : بلى . قال : ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت : يا رسول الله ، ما يشق عليك من شأن النساء ، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك . وقلما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله عز وجل يصدق قولي الذي أقول{[15140]} ونزلت هذه الآية ، آية التخيير : " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " [ التحريم : 5 ] . " وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير " .

وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : يا رسول الله ، أطلقتهن ؟ قال : ( لا ) . قلت : يا رسول الله ، إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى يقولون : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن ؟ قال : ( نعم إن شئت ) . فلم أزل أحدثه حتى تَحَسَّر الغضب عن وجهه ، وحتى كَشَر{[15141]} فضحك ، وكان من أحسن الناس ثغرا . ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلت ، فنزلت أتشبث بالجذع ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده . فقلت : يا رسول الله ، إنما كنت في الغرفة تسعا وعشرين . قال : ( إن الشهر يكون تسعا وعشرين ) فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه . ونزلت هذه الآية : " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم{[15142]} " [ النساء : 83 ] . فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر ، وأنزل الله آية التخيير .

قوله تعالى : " وجبريل " فيه لغات تقدمت في سورة " البقرة{[15143]} " . ويجوز أن يكون معطوفا على " مولاه " والمعنى : الله وليه وجبريل وليه ، فلا يوقف على " مولاه " ويوقف على " جبريل " ويكون " وصالح المؤمنين " مبتدأ " والملائكة " معطوفا عليه . و " ظهير " خبرا ، وهو بمعنى الجمع . وصالح المؤمنين أبو بكر ، قاله المسيب بن شريك . وقال سعيد بن جبير : عمر . وقال عكرمة : أبو بكر وعمر . وروي شقيق عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى : " فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " قال : إن صالح المؤمنين أبو بكر وعمر . وقيل : هو علي . عن أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( " وصالح المؤمنين " علي بن أبي طالب ) . وقيل غير هذا مما تقدم القول فيه . ويجوز أن يكون " وجبريل " مبتدأ وما بعده معطوفا عليه . والخبر ( ( ظهير " وهو بمعنى الجمع أيضا . فيوقف على هذا على " مولاه " . ويجوز أن يكون " جبريل وصالح المؤمنين " معطوفا على " مولاه " فيوقف على " المؤمنين " ويكون " والملائكة بعد ذلك ظهير " ابتداء وخبرا . ومعنى " ظهير " أعوان . وهو بمعنى ظهراء ، كقوله تعالى : " وحسن أولئك ، رفيقا{[15144]} " [ النساء : 69 ] . وقال أبو علي : قد جاء فعيل للكثرة كقوله تعالى : " ولا يسأل حميم حميما . يبصرونهم{[15145]} " [ المعارج :11 ] . وقيل : كان التظاهر منهما في التحكم على النبي صلي اله عليه وسلم في النفقة ، ولهذا آلى منهن شهرا واعتزلهن . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا - قال - فقال لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( هن حولي كما ترى يسألنني النفقة ) . فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها ، كلاهما يقول : تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ! فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده . ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين . ثم نزلت عليه هذه الآية : " يا أيها النبي قل لأزواجك " حتى بلغ " للمحسنات منكن أجرا عظيما " [ الأحزاب : 28 ] الحديث . وقد ذكرناه في سورة{[15146]} " الأحزاب " .


[15133]:راجع جـ 6 ص 173.
[15134]:الأراك: الشجر، واحدته أراكة.
[15135]:أي يضربون به الأرض، كفعل المهموم المفكر.
[15136]:ما بين المربعين ساقط من أ، ح، س.
[15137]:أي عليك بوعظ بنتك حفصة، والعيبة: وعاء يجعل الإنسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه، فشبهت ابنته بها.
[15138]:الأسكفة: العتبة.
[15139]:الأفيق: هو الجلد الذي لم يتم دباغه.
[15140]:زيادة من صحيح مسلم.
[15141]:أي أبدى أسنانه تبسما.
[15142]:راجع جـ 5 ص 291.
[15143]:راجع جـ 2 ص 37.
[15144]:راجع جـ 5 ص 271.
[15145]:راجع ص 284 من هذا الجزء.
[15146]:راجع جـ 14 ص 162.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

ولما عرف من هذا أن المعاتب المنبئة ومن نباته ، وكان قد يكون عدداً{[66377]} أشار إلى أنه واحد فالمعاتب اثنتان ، وكانتا قد اتسعت قلوبهما لما يأتي من قبل الله من الرغائب بهذا العتاب على هذا الأمر الخفي جداً والكرم عليهما فيه بعدم الاستقصاء فمالت قلوبهما إلى المعالي وغاصت على جليل المعارف فصاغت من جواهر ذلك دقيق المعاني ، لفت إليهما الخطاب بلطيف العباد{[66378]} لشريف المتاب ، فقال تشريفاً آخر له صلى الله عليه وسلم بالإقبال على نسائه رضي الله تعالى عنهن بالعتاب لأجله قياماً عنه بما ربما أزعجه لو باشره حفظاً لخاطره الشريف مما قد يغره { إن تتوبا } أي يا عائشة ويا حفصة مما صنعته حفصة بالإفشاء وعائشة بالاحتيال على المنع من شرب العسل والتحليف على مارية { إلى الله } أي الملك الذي أحاط علمه فجلت قدرته ولطف بهما لأجله صلى الله عليه وسلم غاية اللطف في قوله : { فقد صغت } أي مالت وغاضت بما صاغت { قلوبكما } وفي جمع{[66379]} القلوب جمع كثرة تأكيد{[66380]} لما فهمته من ميل القلب بكثرة المعارف بما أفادهما إظهار هذا السر والعتاب عليه من الحياء ، فصارتا جديرتين بالمبادرة إلى التوبة متأهلتين لذلك غاية التأهل .

ولما أورد ما صارتا حقيقيتين{[66381]} به بأداة الشك إقامة للسامع بين الخوف والرجاء من ذلك وهو أعلم مما يكون أكمل ذلك بذكر شق الخوف ، فقال معلماً بأن{[66382]} الملك وأوليائه أنصار{[66383]} له { وإن تظاهرا } بالتشديد للإدغام في قراءة الجماعة لأن التظهر{[66384]} هنا إن وقع كان على وجه الخفاء في أعمال{[66385]} الحيلة في أمر مارية رضي الله عنها والعسل وما يأتي من مثل ذلك ما يبعث عليه الغيرة { عليه } أي النبي صلى الله عليه وسلم المنبأ من قبل الله {[66386]}بما يرفع قدره ويعلي ذكره ، وقراءة الكوفيين بالتخفيف بإسقاط إحدى التاءين إشارة إلى سهولة أمر هذه المظاهرة وقلة أذاها له صلى الله عليه وسلم .

ولما كان المعنى كأنه لا يبالي بمظاهرة كما عبر عنه بعلته ، فقال مؤكداً إعلاماً بأن حال المتظاهرين عليه حال المنكر لمضمون الكلام : { فإن الله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له { هو } أي بنفسه الأقدس وحضرة غيب غيبه التي لا يقوم لما لها من العظمة شيء { مولاه } أي ناصره والمتولي من أمره ما يتولاه القريب الصديق القادر{[66387]} وكل من له وعي يعلم كفايته سبحانه في ذلك فهو يعمل {[66388]}أبلغ ما يعمله{[66389]} مولى مع من{[66390]} هو متول لأمره{[66391]} وفي معاونته{[66392]} لنبيه صلى الله عليه وسلم إظهار لشرفه ومراعاة {[66393]}لحفظ خاطره{[66394]} وشرح{[66395]} لصدره .

ولما كانت النفوس لمبنى هذه الدار على حكمة الأسباب مؤكلة{[66396]} بها ناظرة أتم نظر إليها ، وكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة ما يتلى في بيوتهن{[66397]} من آيات الله والحكمة على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام وكثرة تردده إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيوتهن ويعلمهن قد صار عندهن بذلك من الأسباب الظاهرة المألوفة ، وكان هو أعظم أنصار النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وجبريل } لأنه من أعظم الأسباب التي يقيمها الله سبحانه .

ولما كان الحامل على مظاهرته صلى الله عليه وسلم على كل{[66398]} ما يريده الإيمان فكل{[66399]} ما كان الإنسان فيه أمكن كان{[66400]} له أشد مظاهرة وأعون قال : { وصالح المؤمنين } أي الراسخين في رتبة الإيمان والصلاح من الإنس والجن وأبواهما رضي الله عنهما أعظم مراد بهذا ، وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أمرتني لأضربن عنقها ، والصالح وإن كان لفظه مفرداً فمعناه الجمع المستغرق لأنه للجنس ، ودل على ذلك مع دلالة السياق إضافته للجمع ولعله عبر بالإفراد مع أن هذا المراد للإشارة إلى قلة المتصف بهذا{[66401]} جداً لقلة الراسخين في الإيمان وقلة الراسخين في الصلاح من الراسخين في الإيمان فهو قليل من قليل وقد{[66402]} جوز بعضهم أن يكون جمعاً وأنه حذفت واؤه في الرسم على خلاف القياس وهي محذوفة{[66403]} في الوصل لالتقاء{[66404]} الساكنين ، فظن لذلك مفرداً ودخل{[66405]} في ذلك جبريل عليه السلام أيضاً .

ولما كان الله سبحانه وتعالى قد أعطى الملائكة من القوى والتصرف في الظواهر . والبواطن ما يجل عن الوصف ، قال تعظيماً للمقام بعد تعظيمه بما ذكر من رئيس الكروبيين عليهم الصلاة والسلام { والملائكة } أي كلهم ومنهم جبريل عليهم الصلاة والسلام فهو مذكور خصوصاً وعموماً ثلاث مرات إظهاراً لشدة محبته وموالاته للنبي صلى الله عليه وسلم . ولما كان المراد التعميم في الزمان والمكان بعد التعميم في الصالحين من الملائكة والإنس والجان ، قال من غير جار معظماً لنصرة الملائكة لما لهم من العظمة في القلوب لما تقرر لمن باشر منهم العذاب تارة بالرجفة وأخرى بالصعقة{[66406]} وتارة بالخسف وأخرى بغير ذلك ، فكيف إذا تصور الآدمي المقيد بالمحسوسات اجتماعهم على ما لهم من الأشكال المهولة { بعد ذلك } أي الأمر العظيم الذي تقدم{[66407]} ذكره وهو مظاهرة الله ومن ذكر معه { ظهير * } أخبر عن الجمع باسم الجنس إشارة إلى أنهم على كلمة واحدة في المظاهرة ، فخوف بهذا{[66408]} كله لأجل المتاب لطفاً به صلى الله عليه وسلم وإظهاراً لعظمته وفي قصة صاحب ياسين قال { وما أنزلنا على قومه } الآية ، تحقيراً لقومه وإهانة لهم ، ويجوز أن يكون{[66409]} " ظهير " خبر جبريل عليه الصلاة والسلام ، وخبر ما بعده محذوف لدلالته عليه أي كذلك .


[66377]:- من ظ وم، وفي الأصل: عدوا.
[66378]:- زيد من ظ وم.
[66379]:- من ظ وم، وفي الأصل: جميع.
[66380]:- في م: تأييد.
[66381]:- من ظ وم، وفي الأصل: حقيقين.
[66382]:- في م: إن.
[66383]:- من ظ وم، وفي الأصل: أنصارا.
[66384]:- من م، وفي الأصل وظ: التظاهر.
[66385]:- من و م، وفي الأصل وظ: الأعمال.
[66386]:- في م: إن.
[66387]:- من ظ وم، وفي الأصل: الصادق.
[66388]:- من ظ وم، وفي الأصل: يعلم.
[66389]:- من ظ وم، وفي الأصل: يعلمه.
[66390]:- من ظ وم، وفي الأصل: ما.
[66391]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمره.
[66392]:- من ظ وم، وفي الأصل: معاتبته.
[66393]:- من ظ وم وفي الأصل: لخاطره.
[66394]:- من ظ وم وفي الأصل: لخاطره.
[66395]:- من ظ وم، وفي الأصل: شرحا.
[66396]:- من ظ وم، وفي الأصل: هو كلمة.
[66397]:- زيد في الأصل: ويعلمهن ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66398]:- زيد من ظ وم.
[66399]:- زيد من ظ وم.
[66400]:- زيد من ظ وم.
[66401]:- من ظ وم، وفي الأصل: بمنا.
[66402]:- زيد من ظ وم.
[66403]:- من ظ وم، وفي الأصل: للوصل عند التقاء.
[66404]:- من ظ وم، وفي الأصل: للوصل عند التقاء.
[66405]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذلك.
[66406]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالصعق.
[66407]:- زيد من ظ وم.
[66408]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
[66409]:- زيد في الأصل: لهم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

قوله : { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } المراد بذلك حفصة وعائشة ، إذ يحثهما الله على التوبة مما كان منهما من ميل إلى خلاف ما يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله { فقد صغت قلوبكما } أي مالت أوزاغت عن الحق والاستقامة . فقد سرهما أن يحرم النبي على نفسه ما أحله له ، وهي أم ولده مارية القبطية أو اجتناب العسل .

قوله : { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } يعني إن تتظاهرا و تتعاضدا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء وإفشاء السر { فإن الله هو مولاه } أي ناصره ومؤيده فلا يصيبه شيء من تظاهركما وتعاونكما عليه . وكذلك يظاهره ويؤيده جبريل عظيم الملائكة ، والصالحون من المؤمنين { والملائكة بعد ذلك ظهير } أي أن الملائكة بعد تأييد الله له وتأييد جبريل وصالح المؤمنين أعوان له يظاهرونه ويؤيدونه .