ذَنُوبا : نصيبا من العذاب ، وأصل الذنوب : الدلو العظيمة الممتلئة ماء ، فاستعيرت للنصيب مطلقا .
59- { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } .
لقد خلقت الجن والإنس لعبادتي ومعرفتي ، فمن خرج عن طاعتي وكفر برسلي ، وظلم نفسه فحرمها من معرفة الله وعبادته ، وشقَّ عصا الطاعة على المرسلين ، وكفر بالله رب العالمين ، هذا الظالم له نصيب من العذاب هو وإخوانه ، مثل نصيب أصحابهم الظالمين السابقين عليهم ، الذين أهلكهم الله بذنوبهم ، كقوم نوح وعاد وثمود ، وقوم لوط وفرعون وملئه .
سَجّلاَ من العذاب مثل سَجْل أصحابهم ، فلا يطلبوا منّي أن أعجّل في الإتيان بالعذاب قبل أوانه ، فهو لاحق بهم لا محالة . أه .
والسَّجل : الدَّلو المليئة ، فاستعيرت للنصيب مطلقا ، شرّا كان النصيب أو خيرا .
وقال الزمخشري في تفسير الكشاف :
هذا تمثيل ، أصله : السقاة يقتسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب . أه .
والخلاصة : سيقتسم كفار مكة نصيبهم من العذاب مثل أصحابهم المكذبين ، فلا يتعجلون هذا العذاب ، فإنه قادم لا محالة ، وإن الله لا يعجل لعجلة العباد ، ولا يدركه العجز عن تنفيذ ما أراد .
وهذا جواب عن قولهم : { فأْتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين . } ( هود : 32 ) .
ونحو الآية قوله تعالى : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه . . } . ( النحل : 1 ) .
{ فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم } أي حظا ونصيا من العقاب نازلا بهم ؛ مثل نصيب من سبقهم من الكفار . والذنوب في الأصل : الدلو العظيمة المملوءة ماء . ولا يقال لها ذنوب إذا كانت فارغة . وجمعها ذنائب ؛ كقلوص وقلائص ، وكانوا يستقون الماء فيقسمونه بينهم على الأنصباء ؛ فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب . ومن ثم فسر الذنوب بالنصيب .
{ ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم } : أي نصيباً من العذاب مثل نصيب أصحابهم الذي ماتوا على الكفر .
{ فلا يستعجلون } : أي فلا يطالبوني بالعذاب فإن له موعداً لا يُخْلَفونه .
وقوله فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم أي إذا عرفت حال من تقدم من قوم عاد وثمود وغيرهم فإن لهؤلاء المشركين ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم أي نصيباً من العذاب وعبر بالذنوب التي هي الدلو الملأى بالماء عن العذاب لأن العذاب يصب عليهم كما يصب الماء من الدلو ولأن الدلاء تأتى واحداً بعد واحد فكذلك . الهلاك يتم لأمة بعد أمة حتى يسقوا كلهم مرّ العذاب ، وقوله { ولا يستعجلون } أي ما هناك حاجة بهم إلى استعجال العذاب فإنه آت في إبّانه ووقته المحدد له لا محالة .
- توعد الرب تبارك وتعالى الكافرين وأن نصيبهم من العذاب نازل بهم لا محالة .
ولما أقسم سبحانه على الصدق في وعيدهم ، ودل على ذلك حتى بجميع قصد أحوالهم على إرادته . وختم بقوته التي لا حد لها ، سبب عن ذلك إيقاعه بالمتوعدين ، فقال مؤكداً لأجل إنكارهم : { فإن للذين ظلموا } أي الذين أوقعوا الأشياء في غير مواقعها . ولما كان القسم على ما يوعدون بما يحمل المطر ، عبر عن نصيبهم الذي قدره عليهم من ذلك بقوله : { ذنوباً } أي خطاً من العذاب طويل الشر ، كأنه من طوله صاحب ذنب وهو على ذنوبهم { مثل ذنوب أصحابهم } أي الذين{[61475]} تقدم ظلمهم بتكذيب الرسل وهو في مشابهته له كالدلو الذي يساجل به دلو آخر ، وذلك دليل واضح على أن ما يوعدون صادق ، وأن الدين واقع { فلا يستعجلون * } أي يطلبوا أن آتيهم به قبل أوانه اللاحق به ، فإن ذلك لا يفعله إلا ناقص ، وأنا{[61476]} متعال عن ذلك لا أخاف الفوت ولا يلحقني عجز ولا أوصف به ، ولا بد أن أوقعه بهم في الوقت الذي قضيت به في الأزل ، لأنه أحق الأوقات بعقابهم لتكامل ذنوبهم ، وحينئذ تكون فيا له من تهديد ما أفظعه ، ووعيد ما أعظمه وأوجعه ، أمراً لا يدفعه دافع ، ولا يمنع من وقوعه مانع ، ولذلك سبب عنه قوله : { فويل } . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.