( أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى ? بلى . إنه على كل شيء قدير ) . .
وهي لفتة إلى كتاب الكون المنظور ، الذي ورد ذكره في أول السورة . وكثيرا ما يتضمن السياق القرآني مثل هذا التناسق بين قول مباشر في السورة ، وقول مثله يجيء في قصة ، فيتم التطابق بين مصدرين على الحقيقة الواحدة .
وكتاب الكون يشهد بالقدرة المبدعة ابتداء لهذا الخلق الهائل : السماوات والأرض . ويوحي للحس البشري بيسر الإحياء بعد الموت . وهذا الإحياء هو المقصود . وصياغة القضية في أسلوب الاستفهام والجواب أقوى
وآكد في تقرير هذه الحقيقة . ثم يجيء التعقيب الشامل : ( إنه على كل شيء قدير ) . . فتضم الإحياء وغيره في نطاق هذه القدرة الشاملة لكل شيء كان أو يكون .
33- { أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير } .
أو لم يشاهدوا مظاهر القدرة الإلهية في خلق السماوات الطباق ، وما فيها من أبراج وأفلاك ، وشموس وأقمار ، وملائكة ومخلوقات عديدة ، وخلق الأرض وما فيها من جبال وبحار وأنهار ، وإنس وجن ، وحيوانات وطيور ، وحشرات وهوام ، ودواب متعددة لا يعلمها إلا الله ، وقد خلق الله السماوات والأرض ، بدون أن يصيبه تعب ، أو إعياء أو لغوب أو كلال ، أليس هذا الخالق المبدع بقادر على أن يحيي الموتى ، بأن يعيد الروح إلى الجسد ، ويأمر الموتى بالقيام والبعث ، ثم بالحشر والنشر والجزاء ؟ بلى إنه سبحانه قادر على الخلق في البدء ، وقادر على الإعادة ، وهو سبحانه على كل شيء قدير .
ولما أتم سبحانه وتعالى ما اقتضاه مقصود هذه السورة من أصول الدين وفروعه والتحذير من سطواته بذكر بعض مثلاته ، وختم بضلال من لم يجب الداعي ، نبه على أن أوضح الأدلة على إحاطته بالجلال والجمال وقدرته على الأجل المسمى الذي خلق الخلق لأجله ما جلى به مطلع السورة من إبداع الخافقين وما فيهما{[59157]} من الآيات الظاهرة{[59158]} للأذن والعين ، فقال مبكتاً لهم على ضلالهم عن إجابة الداعي ومنكراً عليهم وموبخاً لهم{[59159]} مرشداً بالعطف على{[59160]} غير مذكور إلى أن التقدير : ألم ير{[59161]} هؤلاء الضلال{[59162]} ما نصبنا في هذه السورة من أعلام الدلائل وواضح{[59163]} الرسائل في المقاصد والوسائل ، عاطفاً عليه قوله تعالى رداً لمقطع السورة بتقرير المعاد على{[59164]} مطلعها المقرر للبدء بخلق الكونين بالحق : { أو لم يروا } أي يعلموا علماً هو في الوضوح كالرؤية-{[59165]} { {[59166]}أن الله{[59167]} } و{[59168]}دل {[59169]}على هذا الاسم{[59170]} الأعظم بقوله : { الذي خلق السماوات } على ما احتوت عليه مما يعجز الوصف-{[59171]} من العبر { والأرض } على ما اشتملت عليه من الآيات المدركة بالعيان{[59172]} والخبر{[59173]} { ولم يعي } أي يعجز ، يقال : عيي بالأمر - إذ لم يهتد{[59174]} لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطق إحكامه{[59175]} ، قال الزجاج : يقال : عييت بالأمر - إذا لم تعرف وجهه ، وأعييت : تعبت{[59176]} ، و{[59177]}في القاموس : وأعيى بالأمر : كل{[59178]} { بخلقهن } أي بسببه{[59179]} فإنه لو حصل له شيء من ذلك لأدى إلى نقصان فيهما أو في إحدهما ، وأكد الإنكار المتضمن للنفي بزيادة الجار في حيز " أن " فقال تعالى : { بقادر } أي قدرة عظيمة {[59180]}تامة بليغة{[59181]} { على أن يحيي } أي على سبيل التجديد مستمراً { الموتى } والأمر فيهم لكونه إعادة ولكونهم{[59182]} جزاء يسيراً منها ذكر اختراعه أصغر شأناً وأسهل صنعاً .
ولما كان هذا الاستفهام الإنكاري في معنى النفي ، أجابه بقوله تعالى { بلى } {[59183]}قد علموا أنه قادر على ذلك علماً هو في إتقانه كالرؤية بالبصر لأنهم يعلمون أنه المخترع لذلك ، وأن الإعادة أهون من الابتداء في مجاري عاداتهم ، ولكنهم عن ذلك ، غافلون لأنهم عنه معرضون ، ولما كانوا{[59184]} مع هذه الأدلة الواضحة التي هي أعظم من المشاهدة بالبصر ينكرون ما دلت عليه هذه الصنعة من إحاطة القدرة ، علل ذلك{[59185]} مؤكداً له بقوله مقرراً للقدرة على وجه عام يدخل فيه البعث الذي ذكر أول السورة أنه ما خلق هذا الخلق إلا لأجله ليختم بما بدأ به{[59186]} { إنه على كل شيء } أي هو أهل لأن تتعلق القدرة به { قدير * } .