اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَلَمۡ يَعۡيَ بِخَلۡقِهِنَّ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحۡـِۧيَ ٱلۡمَوۡتَىٰۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (33)

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض . . } اعلم أنه تعالى قرر من أول السورة إلى ههنا أمر التوحيد والنبوة . ثم ذكر ههنا تقرير القادر من تأمل في ذلك علم أن المقصود من القرآن كله تقرير هذه الأصول الثلاثة . واعلم أن المقصود من هذه الآية الدلالة على كونه تعالى قادراً على البعث ، لأنه تعالى أمام الدليل على خلق السموات والأرض وخلقها أعظم من أعادة هذا الشّخص حيًّا بعد أن كان ميِّتاً ، والقادر على الأكمل لا بدّ وأن يكون قادراً على ما دونه{[51124]} .

قوله : { وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } العامة على سكون العين وفتح الياء مضارع «عِيِيَ » بالكسر يَعْيَا بالفتح فلما دخل الجازم حذف الألف . وقرأ الحسن يَعِي بكسر العين{[51125]} وسكون الياء . قالوا : وأصلها عَيِيَ بالكسر فجعل الكسر فتحة ، على لغة طَيِّىء فَصَار «عَيَا » ، كما قالوا في بَقِي : بَقَا . ولما بنى الماضي على «فَعَلَ » بالفتح جاء مضارعه على يَفْعِلُ{[51126]} بالكسر فصار يَعْيي مثل يَرْمِي ، فلما دخل الجَازم حذف الياء الثانية{[51127]} فصار : لَمْ يَعْيِ{[51128]} بعين ساكنة وياءٍ مكسورة ، ثم نقل حركة الياء إلى العين{[51129]} فصار اللفظ كما تَرَى{[51130]} . وقد تقدم أن عَيِيَ وحَيِيَ فيها لغتان ، الفَكّ{[51131]} والإدغام{[51132]} . فأما حَيِيَ فتقدَّمَ في الأنفال{[51133]} و ( أما ){[51134]} عَيِيَ فكقوله :

4460 عَيّوا بأمْرِهِمْ كمَا عَيْ *** يَتُ ببيضَتِهَا الحَمَامَهْ{[51135]}

والعي عدم الاهتداء إلى جهةٍ . ومنه العَيُّ في الكلام ، وعَيِيَ بالأَمر إذا لم يهتد لوجهه{[51136]} .

قوله : «بِقَادِرٍ » الباء زائدة وحَسَّنَ زيادتَها كَوْنُ الكلام في قوة «أَلَيْسَ اللهُِ بِقَادرٍ »{[51137]} . قال أبو عبيدة{[51138]} ، والأخفش{[51139]} : الباء زائدة للتوكيد ، كقوله : { تَنبُتُ بالدهن } [ المؤمنون : 20 ] وقاس الزجاج «مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أحداً بِقَائِمٍ » عَلَيْهَا{[51140]} . والصحيح التوقف . وقال الكسائي{[51141]} والفراء{[51142]} العرب تدخل الباء في الاستفهام فتقول : ما أظُنُّكَ بقائمٍ .

وقرأ عيسى ، وزيد بن علي «قَادِرٌ » بغير ياء{[51143]} .

قوله : «بلى » إيجاب لما تضمنه الكلام من النفي في قوله : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } .


[51124]:بالمعنى من الرازي 28/34.
[51125]:قراءة شاذة ذكرها أبو حيان في البحر 8/68 والقرطبي في الجامع 16/319.
[51126]:كرسى يرسي، وقضى يقضي، ومشى يمشي...الخ.
[51127]:فهي متطرفة والثقل ينشأ منها.
[51128]:وهذا إعلال بالحذف.
[51129]:أما هذا فهو إعلال بالنقل فاجتمع في الكلمة إعلالان كما هو واضح.
[51130]:بالمعنى من البحر المحيط 8/68.
[51131]:كما في عيي.
[51132]:وهو عي وحي.
[51133]:من الآية 42 وهي قوله: "ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة".
[51134]:زيادة لتوضيع السياق وتبينيه.
[51135]:البيت من مجزوء الكامل، ولم أجده هكذا في الديوان وهو لعبيد بن الأبرص وإنما: برمت بنو أسد كما برمت ببيضتها الحمامه وعليه فلا شاهد فيه والشاهد "عيوا" حيث أدغم يائي الفعل "عيي" وهو قليل وشاذ والأفصح الفك حيث لم يأت هذا إلا قليلا وانظر القرطبي 16/219 وأدب الكاتب 54 والبحر 8/53 وفتح القدير 5/26 والديوان 138 دار صادر بيروت وانظر اللسان عيي 3202.
[51136]:المرجع السابق.
[51137]:بالمعنى من البحر 8/68.
[51138]:قال: "مجازها: قادر والعرب تؤكد الكلام بالباء وهي مستغنى عنها" وانظر مجاز القرآن 2/213.
[51139]:قال: "فهو بالباء كالباء في قوله: كفى بالله، وهي مثل: تنبت بالدهن". انظر المعاني له 694.
[51140]:قال: "ولو قلت: ظننت أن زيدا بقائم لم يجز، ولو قلت: ما ظننت أن زيدا بقائم جاز بدخول "ما" انظر معانيه 4/747.
[51141]:القرطبي 16/219.
[51142]:قال: "دخلت الباء للم، والعرب تدخلها مع الجحود إذا كانت رافعة لما قبلها ويدخلونها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك: ما أظنك بقائم وما أظن أنك بقائم، وما كنت بقائم فإذا خلفت الباء نصبت الذي كانت فيه بما يعمل فيه من الفعل، ولو ألغيت الباء من "قادر" في هذا الموضع رفعه لأنه خبر لأن". انظر معاني القرآن له 3/59 والقرطبي 16/219.
[51143]:لم أجد هذه القراءة هكذا وإنما يقدر بلفظ المضارع انظر الكشاف 3/528 ومعاني الفراء 3/59 وإعراب النحاس 4/173 و173 ومعاني الزجاج 4/447، وبها قرأ آخرون بما فيهم يعقوب انظر الإتحاف 392 وهي من الأربعة فوق العشر المتواترة.