في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

ثم إجمال لحقيقة الافتراق الذي لا التقاء فيه ، والاختلاف الذي لا تشابه فيه ، والانفصال الذي لا اتصال فيه ، والتمييز الذي لا اختلاط فيه :

( لكم دينكم ولي دين ) . . أنا هنا وأنتم هناك ، ولا معبر ولا جسر ولا طريق ! ! !

مفاصلة كاملة شاملة ، وتميز واضح دقيق . .

ولقد كانت هذه المفاصلة ضرورية لإيضاح معالم الاختلاف الجوهري الكامل ، الذي يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق . الاختلاف في جوهر الاعتقاد ، وأصل التصور ، وحقيقة المنهج ، وطبيعة الطريق .

إن التوحيد منهج ، والشرك منهج آخر . . ولا يلتقيان . . التوحيد منهج يتجه بالإنسان - مع الوجود كله - إلى الله وحده لا شريك له . ويحدد الجهة التي يتلقى منها الإنسان ، عقيدته وشريعته ، وقيمه وموازينه ، وآدابه وأخلاقه ، وتصوراته كلها عن الحياة وعن الوجود . هذه الجهة التي يتلقى المؤمن عنها هي الله ، الله وحده بلا شريك . ومن ثم تقوم الحياة كلها على هذا الأساس . غير متلبسة بالشرك في أية صورة من صوره الظاهرة والخفية . . وهي تسير . .

وهذه المفاصلة بهذا الوضوح ضرورية للداعية . وضرورية للمدعوين . .

إن تصورات الجاهلية تتلبس بتصورات الإيمان ، وبخاصة في الجماعات التي عرفت العقيدة من قبل ثم انحرفت عنها . وهذه الجماعات هي أعصى الجماعات على الإيمان في صورته المجردة من الغبش والالتواء والانحراف . أعصى من الجماعات التي لا تعرف العقيدة أصلا . ذلك أنها تظن بنفسها الهدى في الوقت الذي تتعقد انحرافاتها وتتلوى ! واختلاط عقائدها وأعمالها وخلط الصالح بالفاسد فيها ، قد يغري الداعية نفسه بالأمل في اجتذابها إذا أقر الجانب الصالح وحاول تعديل الجانب الفاسد . . وهذا الإغراء في منتهى الخطورة !

إن الجاهلية جاهلية ، والإسلام إسلام . والفارق بينهما بعيد . والسبيل هو الخروج عن الجاهلية بجملتها إلى الإسلام بجملته . هو الانسلاخ من الجاهلية بكل ما فيها والهجرة إلى الإسلام بكل ما فيه .

وأول خطوة في الطريق هي تميز الداعية وشعوره بالانعزال التام عن الجاهلية : تصورا ومنهجا وعملا . الانعزال الذي لا يسمح بالالتقاء في منتصف الطريق . والانفصال الذي يستحيل معه التعاون إلا إذا انتقل أهل الجاهلية من جاهليتهم بكليتهم إلى الإسلام .

لا ترقيع . ولا أنصاف حلول . ولا التقاء في منتصف الطريق . . مهما تزيت الجاهلية بزي الإسلام ، أو ادعت هذا العنوان !

وتميز هذه الصورة في شعور الداعية هو حجر الأساس . شعوره بأنه شيء آخر غير هؤلاء . لهم دينهم وله دينه ، لهم طريقهم وله طريقه . لا يملك أن يسايرهم خطوة واحدة في طريقهم . ووظيفته أن يسيرهم في طريقه هو ، بلا مداهنة ولا نزول عن قليل من دينه أو كثير !

وإلا فهي البراءة الكاملة ، والمفاصلة التامة ، والحسم الصريح . . ( لكم دينكم ولي دين ) . .

وما أحوج الداعين إلى الإسلام اليوم إلى هذه البراءة وهذه المفاصلة وهذا الحسم . . ما أحوجهم إلى الشعور بأنهم ينشئون الإسلام من جديد في بيئة جاهلية منحرفة ، وفي أناس سبق لهم أن عرفوا العقيدة ، ثم طال عليهم الأمد ( فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) . . وأنه ليس هناك أنصاف حلول ، ولا التقاء في منتصف الطريق ،

ولا إصلاح عيوب ، ولا ترقيع مناهج . . إنما هي الدعوة إلى الإسلام كالدعوة إليه أول ما كان ، الدعوة بين الجاهلية . والتميز الكامل عن الجاهلية . . ( لكم دينكم ولي دين ) . . وهذا هو ديني : التوحيد الخالص الذي يتلقى تصوراته وقيمه ، وعقيدته وشريعته . . كلها من الله . . دون شريك . . كلها . . في كل نواحي الحياة والسلوك .

وبغير هذه المفاصلة . سيبقى الغبش وتبقى المداهنة ويبقى اللبس ويبقى الترقيع . . والدعوة إلى الإسلام لا تقوم على هذه الأسس المدخولة الواهنة الضعيفة . إنها لا تقوم إلا على الحسم والصراحة والشجاعة والوضوح . . .

وهذا هو طريق الدعوة الأول : ( لكم دينكم ولي دين ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

المفردات :

دينكم : أي : الشرك بعبادة الأصنام .

ولي دين : دين التوحيد .

التفسير :

6- لكم دينكم ولي دين .

لكم شرككم ولي توحيدي ، ودينكم مختص بكم لا يتعداكم إلي ، فلا تظنوا أني عليه ، أو على شيء منه .

ولي دين .

ولي رسالتي ودعوتي ، وهي خاتمة الرسالات ، وخاتمة الشرائع ، اشتملت على تنزيه الله عن مشابهة الحوادث ، وعلى أنه تعالى متصف بكل كمال ، ومنزّه عن كل نقص ، وله الأسماء الحسنى ، فهو سميع قدير ، متكلم مريد ، لطيف خبير قهار ، إن الله لطيف خبير . ( لقمان : 16 ) .

قال المفسرون :

معنى الجملتين الأوليين : الاختلاف التام في المعبود ، فإله المشركين الأوثان ، وإله محمد الرحمان .

ومعنى الجملتين الأخيرتين : الاختلاف التام في العبادة ، كأنه قال : لا معبودنا واحد ، ولا عبادتنا واحدة .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

***

( تم بحمد الله تعالى وتوفيقه تفسير سورة الكافرون ) .

i انظر تفسير النيسابوري والبيضاوي ، وتفسير المراغي ، وتفسير الطبري 30/214 .

ii قال تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون } . ( الصافات : 158 ) .

وقال سبحانه : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون } . ( الزخرف : 19 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

{ لكم دينكم } وهو الشرك ؛ أي هو مقصور عليكم ، ومحال أن يكون لي كما تطمعون ! فلا تعلقوا أمانيكم بحصوله مني ! وهو تقرير للقرينتين الأولى والثالثة . { ولي دين } أي ديني وهو التوحيد ؛ أي هو مقصور علي ، ومحال أن يكون لكم ؛ لأن الله قد ختم على قلوبكم ، وعلم من سوء استعدادكم ، وفساد فطركم أنكم لا تؤمنون . وهو تقرير للقرينتين الثانية والرابعة . أو لكم حسابكم أو جزاؤكم على عملكم ، ولي حسابي أو جزائي على عملي . والدين : يطلق على الحساب والجزاء والآية على التفسيرين محكمة غير منسوخة . وتفسيرها بما لا تكون عليه منسوخة أولى ؛ لأن النسخ خلاف الظاهر ، ولا يصار إليه إلا عند الضرورة ، واقتضاء الدليل إياه .

والله أعلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

والثاني على أن ذلك قد صار وصفًا لازمًا .

ولهذا ميز بين الفريقين ، وفصل بين الطائفتين ، فقال : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } كما قال تعالى : { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } { أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ }

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

{ لكم دينكم } الشرك { ولي دين } الإسلام ، وهذا قبل أن يؤمر بالحرب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

ولما كان ذلك كله ، وبدأ النفي في الجمل السابقة بالمنسوب إليه صلى الله عليه وسلم إيذاناً بالاهتمام ببراءته منهم ، أنتج قطعاً مقدماً لما يتعلق بهم على وجه اختصاصهم به تأكيداً لما صرح به ما مضى من براءته منهم : { لكم } أي خاصة { دينكم } أي الذي تعلمون أنه لا أصل له يثبت عليه ، ولا دليل يرجع بوجه إليه ، لا أشارككم فيه بوجه ، ولا ترجعون عنه بوجه ؛ بل تموتون عليه موتاً لبعضكم حتف الأنف ، والآخرين قتلاً على يدي بالسيف . { ولي } أي خاصة { دين * } من واسع روضة الإسلام إلى أعلى مقام : مقام الإيقان والإحسان ، وأنتم تعلمون - لو جردتم عقولكم عن الهوى ، وأخلصتم أفكاركم من الحمية والإبا - أنه كله دليل وفرقان ونور وحجة وبرهان ، لا تشاركونني فيه بوجه ، ولا تقدرون على ردّي عنه أصلاً ، فكانت هذه علماً من أعلام النبوة من حيث إنه مات منهم ناس كثير بعد ذلك على الكفر ، وأتم الله له هذا الدين ، فصدق سبحانه فيما قال ، وثبت مضمون الكوثر بأكمل استدلال ، وأما من آمن بعد ذلك فليس مراداً ؛ لأنه لم يكن عريقاً في وصف الكفران ، ولا راسخاً في الضلال والطغيان ، فأسعده وصف الإسلام والإيمان ، وساق الجمل كلها غير مؤكد إشارة إلى أنها من الوضوح في حد لا خفاء به أصلاً ، ولا شك أن آخرها الذي هو اختصاص كل بدينه هو أولها الذي أفاد أنه لا يعبد معبودهم ، ولا يعبدون معبوده ، فصار آخرها أولها ، ومفصلها موصلها ، هذا هو الذي دل عليه السياق ، وليس فيه إذن في الكفر ، ولا منع عن الجهاد ليحتاج إلى نسخ .

ختام السورة:

فكانت هذه علماً من أعلام النبوة من حيث إنه مات منهم ناس كثير بعد ذلك على الكفر ، وأتم الله له هذا الدين ، فصدق سبحانه فيما قال ، وثبت مضمون الكوثر بأكمل استدلال ، وأما من آمن بعد ذلك فليس مراداً ؛ لأنه لم يكن عريقاً في وصف الكفران ، ولا راسخاً في الضلال والطغيان ، فأسعده وصف الإسلام والإيمان ، وساق الجمل كلها غير مؤكد إشارة إلى أنها من الوضوح في حد لا خفاء به أصلاً ، ولا شك أن آخرها الذي هو اختصاص كل بدينه هو أولها الذي أفاد أنه لا يعبد معبودهم ، ولا يعبدون معبوده ، فصار آخرها أولها ، ومفصلها موصلها ، هذا هو الذي دل عليه السياق ، وليس فيه إذن في الكفر ، ولا منع عن الجهاد ليحتاج إلى نسخ . ومن أعظم دلائل إعجازها وجمعها للمعاني في إشارتها وإيجازها أن حاصلها قطع رجاء أهل الكفران ، من أن يقاربهم النبي صلى الله عليه وسلم في أن يعدل بربه أحداً في زمن من الأزمان ، وذلك من أعظم مقاصد المناظرة لها في رد الآخر على أول الأنعام ؛ لأنها السادسة في العد من الأول ، كما أن هذه السادسة في العد من الآخر{ أغير الله اتخذ ولياً }[ الأنعام : 14 ] { أفغير الله ابتغي حكماً }[ الأنعام : 114 ] { أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء }[ الأنعام : 164 ] إلى غير ذلك من الآيات ، والفواصل والغايات ، هذا ما يتعلق بمعاني تراكيبها ونظومها على ما هي عليه وتراتيبها وسياقاتها وأساليبها . وكلماتها الخطية سبع وعشرون ، إلى أربع كلمات البسملة إحدى وثلاثون ، إلى أربعة ضمائر مستترة خمس وثلاثون ، إلى تسعة بارزة ، فتلك أربع وأربعون كلمة : الضمائر منها ثلاثة عشر هي مدة الإقامة بمكة المشرفة قبل الهجرة ؛ لأنها في الخفاء كالضمائر في خزائن السرائر ، ولا سيما الأربع الأول منها الموازية لضمائر الاستتار ، وغير الضمائر إحدى وثلاثون المناظر لها من السنين سنة إحدى وثلاثين ، وهي سنة قتل يزدجرد ملك الفرس أكفر الكفرة من أهل ذلك الزمان وأعتاهم ، وموافقة كلماتها في العدة لأحرف الكوثر مشيرة إلى أن اليسير من أتباعه صلى الله عليه وسلم أكثر وأكبر من كثير شانئيه وأضداده وحاسديه ، وقد دل على ذلك شاهد الوجود في يوم الفتح والمسلمون عشرة آلاف ، والكفار من قريش وممن حولهم لا يحصون كثرة ، وقد كان فعلهم في ذلك اليوم ما شهد به اعتذار حماس الذي كان يعد امرأته أن يخدمها بعض المسلمين في قوله وقد فر هارباً ولم يستطع أن يغلق وراءه ، بل قال لها : أغلقي بابي ، فقالت له : أين ما كانت تعدني به ؟ فقال :

إنك لو شهدت يوم الخندمه *** إذ فر صفوان وفر عكرمه

واستقبلتهم بالسيوف المسلمه *** يقطعن كل ساعد وجمجمه

ضرباً فلا يسمع إلا غمغمه *** بهم تهيب خلفنا وهمهمه

لم تنطقي باللوم أدنى كلمه

هذا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أوصاهم ألا يقاتلوا إلا من بدأهم بالقتال . وهذا مع ما كان من أهل الإسلام حين قصدهم الكفار يوم الخندق ، والمشركون في عشرة آلاف ، وهم لا يبلغون ربعهم ، ولا مدد لهم ممن حولهم ، ولا ناصر إلا الله ؛ بل جاءتهم الأعداء كما قال الله تعالى :{ من فوقهم ومن أسفل منهم }[ الأحزاب : 10 ]{ وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً }[ الأحزاب : 22 ] ، وإلى هذا أيضاً أشار بلوغ عدد كلمات النصر خطيها واصطلاحيها ظاهرها ومستترها إلى عدد كلمات الكافرون الخطية ، فذلك رمز إلى أن أضعف أهل الإسلام لا يضعف عن مقاومة أهل الكفر وأرسخهم في كل صفة يريدها . والله هو الموفق .