اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

قوله : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } . أتى بهاتين الجملتين الإثباتيتين بعد جملة منفية ؛ لأنه لما ذكر أنّ الأهم انتفاؤه صلى الله عليه وسلم من دينهم ، بدأ بالنفي في الجمل السابقة بالمنسوب إليه ، فلما تحقق النفيُ رجع صلى الله عليه وسلم إلى خطابه بقوله : { لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ } مهادنة لهم ، ثم نسخ ذلك الأمر بالقتال .

وفتح الياء في «لِيَ » : نافع وهشام وحفص والبزي بخلاف عنه ، وأسكنها{[61008]} الباقون .

وحذف «الياء » من «ديني » وقفاً ووصلاً : السبعة ، وجمهور القراء ، وأثبتها في الحالين سلام ويعقوب ، وقالوا : لأنها اسم مثل الكاف في «دينك » ، والثاني قد تقدم إيضاحه .

فصل

في الكلام معنى التهديد ، كقوله تعالى : { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } [ البقرة : 139 ] ، أي : إن رضيتم بدينكم ، فقد رضينا بديننا ، ونسخ هذا الأمر بالقتال .

[ وقيل : السورة منسوخة .

وقيل : ما نسخ منها شيء ؛ لأنها خبر ، ومعنى لكم دينكم : أي جزاء دينكم ، ولي دين : أي جزاء ديني ، وسمى دينهم ديناً ؛ لأنهم اعتقدوه ]{[61009]} .

وقيل : المعنى : لكم جزاؤكم ولي جزائي ، أي : لأن الدين : الجزاء .

وقيل : الدِّين : العقوبة ، لقوله تعالى : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله } [ النور : 2 ] ، والمعنى : لكم العقوبة من ربِّي ، ولي العقوبة من أصنامكم ، فأنا لا أخشى عقوبة الأصنام ؛ لأنها جمادات ، وأما أنتم فيحق عليكم أن تخافوا عقوبة جبَّار السَّماوات والأرض . وقيل : الدين : الدعاء ، لقوله تعالى : { فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين } [ غافر : 14 ] ، وقوله : { وَمَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [ الرعد : 14 ] .

وقيل : الدين : العادة ؛ قال الشاعر : [ الوافر ]

5336- تَقُولُ إذَا دَرأتُ لهَا وضِينِي *** أهَذَا دِينهُ أبَداً ودينِي{[61010]}

والمعنى : لكم عادتكم المأخوذة من أسلافكم ومن الشيطان ، ولي عادتي من ربي .

فصل

قال ابن الخطيب{[61011]} : «جرت العادة بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المناكرة ، وذلك غير جائز ؛ لأن القرآن أنزل ليتدبر فيه ، ويعمل بموجبه ، فلا يتمثّل به » . والله أعلم .


[61008]:ينظر: السبعة 699، والحجة 6/449 -450، وإعراب القراءات 2/539، والمحرر الوجيز 5/531، والدر المصون 6/583.
[61009]:سقط من: ب.
[61010]:تقدم.
[61011]:الفخر الرازي 32/137.