وجملة { لكم دينكم } مستأنفة لتقرير قوله { لا أعبد ما تعبدون } وقوله { ولا أنا عابد ما عبدتم } كما أن قوله { ولي دين } تقرير لقوله { ولا أنتم عابدون ما أعبد } في الموضعين ، أي إن رضيتم بدينكم وشرككم فقد رضيت بديني وتوحيدي ، كما في قوله { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } . والمعنى أن دينكم الذي هو الإشراك مقصور على الحصول لكم ، لا يتجاوزه إلى الحصول لي كما تطمعون ، وديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لي ، لا يتجاوزه إلى الحصول لكم .
وقيل : المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي ؛ لأن الدين الجزاء .
قيل : وهذه الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : ليست بمنسوخة ؛ لأنها إخبار ، والإخبار لا يدخلها النسخ . وقيل : السورة كلها منسوخة .
وقال القاضي : { ولي ديني } الذي أنا عليه لا أرفضه ، فليس فيه إذن في الكفر ، ولا منع عن الجهاد ، فلا يكون منسوخا بآية القتال ، وقد فسر الدين بالحساب والجزاء والعبادة .
وقال الحافظ ابن القيم في البدائع : وقد غلط في السورة خلائق ، وظنوا أنها منسوخة بآية السيف ، لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم ، وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يقرون على دينهم وهم أهل الكتاب ، وكلا القولين غلط محض ، فلا نسخ في السورة ولا تخصيص ؛ بل هي محكمة عمومها نص محفوظ ، وهي من السور التي يستحيل دخول النسخ فيها .
وهذه السورة أخلصت للتوحيد ، ولهذا تسمى سورة الإخلاص ، والآية اقتضت البراءة المحضة ، وإن ما أنتم عليه من الدين لا أوافقكم عليه ، فإنه دين باطل ، فهو مختص بكم لا نشرككم فيه ، ولا تشركوننا في ديننا الحق ، فهذا غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم ، فأين الإقرار حتى يدعى النسخ والتخصيص ؟ أفترى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة لا يصح أن يقال لهم : لكم دينكم ولي دين ؟
بل هذه الآية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يطهر الله منهم بلاده وعباده ، وكذلك حكم هذه البراءة بين أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل سنته ، وبين أهل البدع المخالفين لما جاء به ، الداعين إلى غير سنته ؛ إذ قال لهم خلفاء الرسول وذريته : لكم دينكم ولنا ديننا ، هذا فلا يقتضي إقرارهم على بدعهم ؛ بل يقولون لهم هذا براءة منها ، وهم مع ذلك منتصبون للرد عليهم ولجهادهم بحسب الإمكان . انتهى حاصله .
قرأ الجمهور { ولي } بإسكان الياء ، وحذف الياء من ( ديني ) وصلا ووقفا ، وقرئ بفتح الياء من قوله { لي } وإثباتها من ديني وصلا ووقفا ، وقالوا : لأنها اسم فلا تحذف ، ويجاب بأن حذفها لرعاية الفواصل سائغ ، وإن كانت اسما ، ويجاب أيضا بأنها من ياءات الزوائد ، فيراعى فيه اتباع رسم المصحف ، وهي غير ثابتة فيه اكتفاء بالكسرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.