فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ} (6)

وجملة { لكم دينكم } مستأنفة لتقرير قوله { لا أعبد ما تعبدون } وقوله { ولا أنا عابد ما عبدتم } كما أن قوله { ولي دين } تقرير لقوله { ولا أنتم عابدون ما أعبد } في الموضعين ، أي إن رضيتم بدينكم وشرككم فقد رضيت بديني وتوحيدي ، كما في قوله { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } . والمعنى أن دينكم الذي هو الإشراك مقصور على الحصول لكم ، لا يتجاوزه إلى الحصول لي كما تطمعون ، وديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لي ، لا يتجاوزه إلى الحصول لكم .

وقيل : المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي ؛ لأن الدين الجزاء .

قيل : وهذه الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : ليست بمنسوخة ؛ لأنها إخبار ، والإخبار لا يدخلها النسخ . وقيل : السورة كلها منسوخة .

وقال القاضي : { ولي ديني } الذي أنا عليه لا أرفضه ، فليس فيه إذن في الكفر ، ولا منع عن الجهاد ، فلا يكون منسوخا بآية القتال ، وقد فسر الدين بالحساب والجزاء والعبادة .

وقال الحافظ ابن القيم في البدائع : وقد غلط في السورة خلائق ، وظنوا أنها منسوخة بآية السيف ، لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم ، وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يقرون على دينهم وهم أهل الكتاب ، وكلا القولين غلط محض ، فلا نسخ في السورة ولا تخصيص ؛ بل هي محكمة عمومها نص محفوظ ، وهي من السور التي يستحيل دخول النسخ فيها .

وهذه السورة أخلصت للتوحيد ، ولهذا تسمى سورة الإخلاص ، والآية اقتضت البراءة المحضة ، وإن ما أنتم عليه من الدين لا أوافقكم عليه ، فإنه دين باطل ، فهو مختص بكم لا نشرككم فيه ، ولا تشركوننا في ديننا الحق ، فهذا غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم ، فأين الإقرار حتى يدعى النسخ والتخصيص ؟ أفترى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة لا يصح أن يقال لهم : لكم دينكم ولي دين ؟

بل هذه الآية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يطهر الله منهم بلاده وعباده ، وكذلك حكم هذه البراءة بين أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل سنته ، وبين أهل البدع المخالفين لما جاء به ، الداعين إلى غير سنته ؛ إذ قال لهم خلفاء الرسول وذريته : لكم دينكم ولنا ديننا ، هذا فلا يقتضي إقرارهم على بدعهم ؛ بل يقولون لهم هذا براءة منها ، وهم مع ذلك منتصبون للرد عليهم ولجهادهم بحسب الإمكان . انتهى حاصله .

قرأ الجمهور { ولي } بإسكان الياء ، وحذف الياء من ( ديني ) وصلا ووقفا ، وقرئ بفتح الياء من قوله { لي } وإثباتها من ديني وصلا ووقفا ، وقالوا : لأنها اسم فلا تحذف ، ويجاب بأن حذفها لرعاية الفواصل سائغ ، وإن كانت اسما ، ويجاب أيضا بأنها من ياءات الزوائد ، فيراعى فيه اتباع رسم المصحف ، وهي غير ثابتة فيه اكتفاء بالكسرة .