ومن ثم يجيء التهديد من الجبار القهار ، يلمس في نفسه موضع الاختيال والفخر بالمال والبنين ؛ كما لمس وصفه من قبل موضع الاختيال بمكانته ونسبه . . ويسمع وعد الله القاطع :
ومن معاني الخرطوم طرف أنف الخنزير البري . . ولعله هو المقصود هنا كناية عن أنفه ! والأنف في لغة العرب يكنى به عن العزة فيقال : أنف أشم للعزيز . وأنف في الرغام للذليل . . أي في التراب ! ويقال ورم أنفه وحمي أنفه ، إذا غضب معتزا . ومنه الأنفة . . والتهديد بوسمه على الخرطوم يحوي نوعين من الإذلال والتحقير . . الأولى الوسم كما يوسم العبد . . والثاني جعل أنفه خرطوما كخرطوم الخنزير !
وما من شك أن وقع هذه الآيات على نفس الوليد كان قاصما . فهو من أمة كانت تعد هجاء شاعر - ولو بالباطل - مذمة يتوقاها الكريم ! فكيف بدمغه بالحق من خالق السماوات والأرض . بهذا الأسلوب الذي لا يبارى . في هذا السجل الذي تتجاوب بكل لفظ من ألفاظه جنبات الوجود . ثم يستقر في كيان الوجود . . في خلود . .
إنها القاصمة التي يستأهلها عدو الإسلام وعدو الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم . .
الخرطوم : الأنف ، والمراد : سنلحق به عارا لا يفارقه ، كالوسم على الأنف .
سنقيّض له وسائل الإذلال والمهانة ، فقد ذمّه الخالق الكريم ، وسجّل ذلك في كتابه الخالد .
والمعنى الحرفي للآية : سنجعل وسما وعلامة على أنفه ، ليتذكر كل من رآه تاريخه ومذلّته .
والأنف رمز العلوّ والرفعة . يقال : أنف أشمّ ، للعزيز . وأنف في الرغام ، للذليل ، أي في التراب ، ويقال : ورم أنفه ، وحمى أنفه ، إذا غضب معتزّا ، ومنه الأنفة .
وقد أذلّه الله يوم بدر ، وسينتظره ذلّ أعظم يوم القيامة .
وفي التعبير بلفظ : الخرطوم . استخفاف به ، لأنه لا يستعمل إلا في الفيل والخنزير ، وفي استعمال أعضاء الحيوان للإنسان ، كالمشفر للشفة والظلف للقدم ، دلالة على التحقير كما لا يخفى .
سنذلّه في الدنيا غاية الإذلال ، ونجعله ممقوتا مذموما ، مشهورا بالشرّ ، ونسمه يوم القيامة على أنفه ، ليعرف بذلك كفره وانحطاط قدره .
{ سنسمه على الخرطوم } سنبين أمره بيانا واضحا ، حتى يعرفه الناس فلا يخفى عليهم ؛ كما لا تخفى السمة على الخرطوم . أو سنلحق به عارا لا يفارقه . تقول العرب للرجل يسب سبة سوء قبيحة باقية : قد وسم ميسم سوء .
أي ألصق به عار لا يفارقه ؛ كما أن السمة وهي العلامة لا يمحى أثرها . والخرطوم : الأنف من الإنسان ؛ والوسم عليه يكون بالنار ، وكنى به عما ذكر .
ولما كان هذا المذكور قد أغرق في الشر فتوقع السامع جزاءه ، قال معلماً أنه يجعل له من الخزي والفضائح ما يصير به شهرة بين الخلائق في الدنيا والآخرة : { سنسمه } أي نجعل ما يلحق به من العار في الدارين كالوسم الذي لا ينمحي أثره ، تقول العرب : وسمه ميسم سوء .
ولما كان الوسم منكئاً ، وكان جعله{[67508]} في موضع لا يستر أنكأ ، وكان الوجه أشرف{[67509]} ما في الإنسان ، وكان أظهر ما فيه وأكرمه{[67510]} الأنف ، ولذلك جعلوه مكان{[67511]} العز والحمية واشتقوا منه الأنفة ، قال : { على الخرطوم * } أي الأنف الطويل جميعه وما قاربه من الحنكين{[67512]} وسماً مستعلياً عليه بوضوح جداً ليكون هتكة{[67513]} بين الناس وفضيحة لقومه{[67514]} وذلاً وعاراً ، وكذا كان لعمري له بهذا{[67515]} الذكر{[67516]} الشنيع والذنب القبيح من الكفر وما معه ، وسيكون له يوم الجمع الأعظم{[67517]} ما هو أشنع من هذا ، على أنه قد حقق في الدنيا هذا الخطم حساً بأنه ضرب يوم بدر ضربة خطمت أنفه - قاله ابن عباس رضي الله عنهما{[67518]} ، والتعبير{[67519]} عن الأنف بهذا{[67520]} للاستهانة والاستخفاف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.