ما ودعك ربك : ما تركك منذ اختارك ، وهذه الجملة جواب القسم .
وما قلى : وما أبغضك منذ أحبّك .
لم يتركك ربك ، ولم يقطعك قطع المودّع ، ولم يقطع عنك الوحي ، وما أبغضك وما كرهك وما قلاك كما يزعم بعضهم ، وقد ادّعت أم جميل زوجة أبي لهب أن شيطان محمد قد تأخر عنه ، وأن إله محمد قد أبغضه وتركه ، وقد روى البخاري ومسلم أن هذا كان سبب نزول سورة الضحى .
والسورة كلها حنان وعطف وتقدير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد على مزاعم الكافرين حين تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه ويلم ، فقد سأله أهل مكة ثلاثة أسئلة :
الثالث : عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وهو ( ذو القرنين ) .
فقال صلى الله عليه وسلم : ( غدا أجيبكم ) ، ونسى أن يقول : إن شاء الله ، فتأخر الوحي خمسة عشر يوما ، فلما نزل جبريل قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا جبريل ، ما جئت حتى اشتقت إليك ) ، فقال جبريل : لأنا أشد شوقا إليك منك إليّ ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( وما يمنعك أن تنزل ، وأن تجيء أكثر مما تجيء ) ؟ فقرأ جبريل الآية : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيّا . ( مريم : 64 ) .
وكانت هذه الفترة للوحي لإلهاب شوق النبي صلى الله وعليه وسلم إلى الوحي ، وإنها لنعمة كبرى أن يختار الله محمدا رسولا ، ويرسل إليه جبريل عليه السلام يحمل وحي السماء ، ليكون رسالة الله للبشر أجمعين .
{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } أي : ما تركك منذ اعتنى بك ، ولا أهملك منذ رباك ورعاك ، بل لم يزل يربيك أحسن تربية ، ويعليك درجة بعد درجة .
{ وَمَا قَلا } ك الله أي : ما أبغضك منذ أحبك ، فإن نفي الضد دليل على ثبوت ضده ، والنفي المحض لا يكون مدحًا ، إلا إذا تضمن ثبوت كمال ، فهذه حال الرسول صلى الله عليه وسلم الماضية والحاضرة ، أكمل حال وأتمها ، محبة الله له واستمرارها ، وترقيته في درج{[1447]} الكمال ، ودوام اعتناء الله به .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ ما ودعك ربك } يا محمد { وما قلى } يعني وما مقتك ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا جواب القسم ، ومعناه : ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك . وقيل : "وَما قَلى" ومعناه : وما قلاك ، اكتفاء بفهم السامع لمعناه ، إذ كان قد تقدّم ذلك قولُه : "ما وَدّعَكَ" فعُرف بذلك أن المخاطب به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . ... حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، ومحمد بن هارون القطان ، قالا : حدثنا سفيان ، عن الأسود بن قيس سمع جندبا البجليّ يقول : أبطأ جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى قال المشركون : ودّع محمدا ربّه ، فأنزل الله : وَالضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى .
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
وفي " وَدَّعَك " قراءتان : أحدهما : قراءة الجمهور ودّعك ، بالتشديد ، ومعناها : ما انقطع الوحي عنك توديعاً لك . والثانية : بالتخفيف ، ومعناها : ما تركك إعراضاً عنك ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والتوديع : مبالغة في الودع ؛ لأنّ من ودّعك مفارقاً فقد بالغ في تركك .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ما ودعك } أي تركك تركاً يحصل به فرقة كفرقة المودع ولو على أحسن الوجوه الذي هو مراد المودع { ربك } أي الذي أحسن إليك بإيجادك أولاً ، وجعلك أكمل الخلق ثانياً ، ورباك أحسن تربية ثالثاً ، كما أنه لا يمكن توديع الليل للنهار بل الضحى للنهار الذي هو أشد ضيائه ، ولا يمكن توديع الضحى للنهار ولا الليل وقت سجوه له . ولما كان ربما تعنت متعنت فقال : ما تركه ولكنه لا يحبه ، فكم من مواصل وليس بواصل ، قال نافياً لكل ترك : { وما قلى } أي وما أبغضك بغضاً ما ، وحذف الضمير اختصاراً لفظياً ليعم ، فهو من تقليل اللفظ لتكثير المعنى ....
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
وقال [الشهاب] في ( شرح الشفاء ): الوداع له معنيان في اللغة الترك وتشييع المسافر، فإن فسر بالثاني هنا على طريق الاستعارة يكون فيه إيماء إلى أن الله لم يتركه أصلا ، فإنه معه أينما كان وإنما الترك لو تصور في جانبه ظاهر مع دلالته بهذا المعنى على الرجوع ، فالتوديع إنما يكون لمن يحب ويرجى عوده وإليه ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( ما ودعك ربك وما قلى ) . . ما تركك ربك ولا جافاك - كما زعم من يريدون إيذاء روحك وإيجاع قلبك وإقلاق خاطرك . . وهو( ربك ) وأنت عبده المنسوب إليه ، المضاف إلى ربوبيته ، وهو راعيك وكافلك . . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واحتباس الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقع مرتين :
أولاهما : قبل نزول سورة المدثر أو المزمل ، أي بعد نزول سورتين من القرآن أو ثلاث على الخلاف في الأسبق من سورتي المزمل والمدثر ، وتلك الفترة هي التي خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون قد انقطع عنه الوحي ، وهي التي رأى عقبها جبريل على كرسي بين السماء والأرض كما تقدم في تفسير سورة المدثر ، وقد قيل : إن مدة انقطاع الوحي في الفترة الأولى كانت أربعين يوماً ولم يشعر بها المشركون لأنها كانت في مبدإ نزول الوحي قبل أن يشيع الحديث بينهم فيه وقبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن ليلاً .
وثانيتهما : فترة بعد نزول نحو من ثماني سور ، أي السور التي نزلت بعد الفترة الأولى فتكون بعد تجمع عشر سور ، وبذلك تكون هذه السورة حادية عشرة فيتوافق ذلك مع عددها في ترتيب نزول السور . والاختلاف في سبب نزول هذه السورة يدل على عدم وضوحه للرواة ، فالذي نظنه أن احتباس الوحي في هذه المرة كان لمدة نحو من اثني عشر يوماً وأنه ما كان إلا للرفق بالنبي صلى الله عليه وسلم كي تسْتَجِمَّ نفسه وتعتاد قوته تحمُّل أعباء الوحي إذ كانت الفترة الأولى أربعين يوماً ثم كانت الثانية اثني عشر يوماً أو نحوها ، فيكون نزول سورة الضحى هو النزول الثالث ، وفي المرة الثالثة يحصل الارتياض في الأمور الشاقة ولذلك يكثر الأمر بتكرر بعض الأعمال ثلاثاً ، وبهذا الوجه يجمع بين مختلف الأخبار في سبب نزول هذه السورة وسبب نزول سورة المدثر .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
في هذا التعبير سَكنٌ لقلب النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتسلّ له ، ليعلم أن التأخير في نزول الوحي إنّما يحدث لمصلحة يعلمها الله تعالى ، وليست كما يقول الأعداء لترك الله نبيّه أو لسخطه عليه . فهو مشمول دائماً بلطف الله وعنايته الخاصّة ، وهو دائماً في كنف حماية الله سبحانه . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.