في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

33

وإذا كان الله هو الذي يبسط الرزق ويقبضه ؛ وهو الذي يعطي ويمنع وفق مشيئته ؛ فهو يبين للناس الطريق الذي تربو أموالهم فيه وتربح . لا كما يظنون هم ، بل كما يهديهم الله :

فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل . ذلك خير للذين يريدون وجه الله ؛ وأولئك هم المفلحون . وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ؛ و ما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون . .

وما دام المال مال الله ، أعطاه رزقا لبعض عباده ، فالله صاحب المال الأول قد قرر قسما منه لفئات من عباده ، يؤديها إليهم من يضع يده على ذلك المال . ومن ثم سماها حقا . ويذكر هنا من هذه الفئات ( ذا القربى والمسكين وابن السبيل ) . ولم تكن الزكاة بعد قد حددت ولا مستحقوها قد حصروا . ولكن المبدأ كان قد تقرر . مبدأ أن المال مال الله ، بما أنه هو الرازق به ، وأن لفئات من المحتاجين حقا فيه مقررا لهم من صاحب المال الحقيقي ، يصل إليهم عن طريق واضع اليد على هذا المال . . . وهذا هو أساس النظرية الإسلامية في المال . وإلى هذا الأساس ترجع جميع التفريعات في النظرية الاقتصادية للإسلام . فما دام المال مال الله ، فهو خاضع إذن لكل ما يقرره الله بشأنه بوصفه المالك الأول ، سواء في طريقة تملكه أو في طريقة تنميته ، أو في طريقة إنفاقه . وليس واضع اليد حرا في أن يفعل به ما يشاء .

وهو هنا يوجه أصحاب المال الذين اختارهم ليكونوا أمناء عليه إلى خير الطرق للتنمية والفلاح . وهي إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل ، والإنفاق بصفة عامة في سبيل الله : ( ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

{ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون( 38 )وما ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون( 39 )الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذالكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون( 40 ) }

المفردات :

حقه : هو صلة الرحم والبر به .

والمسكين : المعدم الذي لا مال له أو له شيء لا يقوم بكفايته .

وابن السبيل : المسافر المحتاج على نفقة سفره .

يريدون وجه الله : يقصدونه بمعروفهم خالصا .

38

التفسير :

{ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون . }

أعط أيها النبي الكريم ومن تبعك من المؤمنين ، القرابة حقوقهم من الصلة والعطف عليهم ومساعدتهم وقد حكى عن أبي حنيفة أنه استدل بهذه الآية على وجوب النفقة على كل ذي رحم محرم .

والسورة مكية ، لكنها تحدثت عن وجوب الإنفاق على فئات من الفقراء والمحتاجين ثم فصلت الزكاة وحددت مصارفها في المدينة ، وقد بين القرآن أن المال مال الله وأن العبد مستخلف عن الله في هذا المال لذلك يجب أن يؤدي حقوق الله فيه ومن هذه الحقوق : الزكاة والصدقة وصلة الرحم ورعاية المسكين وابن السبيل وكفالة اليتيم وتمكين العاجز عن العمل من مهنة يتكسب منها .

قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم ، عندما نزل عليه الوحي لأول مرة : إنك لتصل الرحم وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الزمان والله لا يخزيك الله أبدا . xii

تلك هي أخلاق الإسلام في المؤاخاة والتكافل والتراحم والتعاون .

قال القاسمي في تفسير الآية :

{ فآت ذا القربى حقه . . . . } أي من البر والصلة واستدل به أبو حنيفة- رحمه الله على وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب لأن فآت أمر للوجوب .

والظاهر من «الحق » أنه مالي وهو استدلال متين .

{ والمسكين } وهو الذي لا شيء له ينفق عليه أو له شيء لا يقوم بكفايته .

{ وابن السبيل } : أي السائل في الطريق والذي انقطع به الطريق فلا يستطيع مواصلة السفر .

وحقهما هو نصيبهما من الصدقة والمواساة . xiii

وقال القرطبي :

واختلف في هذه الآية فقيل : إنها منسوخة بآية المواريث وقيل : لا نسخ بل للقريب حق لازم في البر على كل حال وهو الصحيح وقال مجاهد وقتادة : صلة الرحم فرض من الله عز وجل حتى قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاج . أه .

{ ذلك خير للذين يريدون وجه الله . . . . } أي : هذه النفقة والرعاية والعطف والمواساة ، خير وفضل لمن أنفق عليهم وأعطاهم المال والرعاية ابتغاء ثواب الله وفضله ، أو أملا في النظر إليه يوم القيامة .

{ وأولئك هم المفلحون } الفائزون في الدنيا والآخرة .

وكون هذا الإعطاء خيرا لأنه سبب التكافل والتعاون بين المسلمين ، وفي التعاون والتكافل قوة وتوادد وتراحم وتآزر وتخلص من أمراض الفقر والتمزق والحقد والحسد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

{ 38 - 39 } { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ }

أي : فأعط القريب منك -على حسب قربه وحاجته- حقه الذي أوجبه الشارع أو حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والإكرام والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته . وكذلك [ آت ] المسكين الذي أسكنه الفقر والحاجة ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته من إطعامه وسقيه وكسوته .

{ وَابْنَ السَّبِيلِ } الغريب المنقطع به في غير بلده الذي في مظنة شدة الحاجة ، لأنه لا مال معه ولا كسب قد دبر نفسه به [ في ] سفره ، بخلاف الذي في بلده ، فإنه وإن لم يكن له مال ولكن لا بد -في الغالب- أن يكون في حرفة أو صناعة ونحوها تسد حاجته ، ولهذا جعل اللّه في الزكاة حصة للمسكين وابن السبيل . { ذَلِكَ } أي : إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل { خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ } بذلك العمل { وَجْه اللَّهِ } أي : خير غزير وثواب كثير لأنه من أفضل الأعمال الصالحة والنفع المتعدي الذي وافق محله المقرون به الإخلاص .

فإن لم يرد به وجه اللّه لم يكن خيرا لِلْمُعْطِي وإن كان خيرا ونفعا لِلْمُعْطي كما قال تعالى : { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } مفهومها أن هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما .

وقوله : { وَأُولَئِكَ } الذين عملوا هذه الأعمال وغيرها لوجه اللّه { هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الفائزون بثواب اللّه الناجون من عقابه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- لما تقدم أنه سبحانه يبسط الرزق لمن يشاء{[12511]} ويقدر أمر من وسع عليه الرزق أن يوصل إلى الفقير كفايته ليمتحن شكر الغني . والخطاب للنبي عليه السلام والمراد هو وأمته ؛ لأنه قال : " ذلك خير للذين يريدون وجه الله " . وأمر بإيتاء ذي القربى لقرب رحمه ، وخير الصدقة ما كان على القريب ، وفيها صلة الرحم . وقد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأقارب على عتق الرقاب ، فقال لميمونة وقد أعتقت وليدة : ( أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ) .

الثانية- واختلف في هذه الآية ، فقيل : إنها منسوخة بآية المواريث . وقيل : لا نسخ ، بل للقريب حق لازم في البر على كل حال ، وهو الصحيح . قال مجاهد وقتادة : صلة الرحم فرض من الله عز وجل ، حتى قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة . وقيل : المراد بالقربى أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم . والأول أصح ، فإن حقهم مبين في كتاب الله عز وجل في قوله : " فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى{[12512]} " [ الأنفال : 41 ] . وقيل : إن الأمر بالإيتاء لذي القربى على جهة الندب . قال الحسن : " حقه " المواساة في اليسر ، وقول ميسور في العسر . " والمسكين " قال ابن عباس : أي أطعم السائل الطواف ، " وابن السبيل " الضيف ، فجعل الضيافة فرضا ، وقد مضى جميع هذا مبسوطا مبينا في مواضعه{[12513]} والحمد لله .

الثالثة- قوله تعالى : " ذلك خير للذين يريدون وجه الله " أي إعطاء الحق أفضل من الإمساك إذا أريد بذلك وجه الله والتقرب إليه . " وأولئك هم المفلحون " أي الفائزون بمطلوبهم من الثواب في الآخرة . وقد تقدم في " البقرة " {[12514]} القول فيه .


[12511]:ما بين المربعين ساقط من ك.
[12512]:راجع ج 8 ص 1.
[12513]:راجع ج 2 ص 15 و 241، وج 8 ص 11 و ج 9 ص 64.
[12514]:راجع ج 1 ص 181.