الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- لما تقدم أنه سبحانه يبسط الرزق لمن يشاء{[12511]} ويقدر أمر من وسع عليه الرزق أن يوصل إلى الفقير كفايته ليمتحن شكر الغني . والخطاب للنبي عليه السلام والمراد هو وأمته ؛ لأنه قال : " ذلك خير للذين يريدون وجه الله " . وأمر بإيتاء ذي القربى لقرب رحمه ، وخير الصدقة ما كان على القريب ، وفيها صلة الرحم . وقد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأقارب على عتق الرقاب ، فقال لميمونة وقد أعتقت وليدة : ( أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ) .

الثانية- واختلف في هذه الآية ، فقيل : إنها منسوخة بآية المواريث . وقيل : لا نسخ ، بل للقريب حق لازم في البر على كل حال ، وهو الصحيح . قال مجاهد وقتادة : صلة الرحم فرض من الله عز وجل ، حتى قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة . وقيل : المراد بالقربى أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم . والأول أصح ، فإن حقهم مبين في كتاب الله عز وجل في قوله : " فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى{[12512]} " [ الأنفال : 41 ] . وقيل : إن الأمر بالإيتاء لذي القربى على جهة الندب . قال الحسن : " حقه " المواساة في اليسر ، وقول ميسور في العسر . " والمسكين " قال ابن عباس : أي أطعم السائل الطواف ، " وابن السبيل " الضيف ، فجعل الضيافة فرضا ، وقد مضى جميع هذا مبسوطا مبينا في مواضعه{[12513]} والحمد لله .

الثالثة- قوله تعالى : " ذلك خير للذين يريدون وجه الله " أي إعطاء الحق أفضل من الإمساك إذا أريد بذلك وجه الله والتقرب إليه . " وأولئك هم المفلحون " أي الفائزون بمطلوبهم من الثواب في الآخرة . وقد تقدم في " البقرة " {[12514]} القول فيه .


[12511]:ما بين المربعين ساقط من ك.
[12512]:راجع ج 8 ص 1.
[12513]:راجع ج 2 ص 15 و 241، وج 8 ص 11 و ج 9 ص 64.
[12514]:راجع ج 1 ص 181.