السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

ولما أفهم ذلك عدم الاكتراث بالدنيا لأنّ الاكتراث بها لا يزيدها ، والتهاون بها لا ينقصها قال تعالى مخاطباً لأعظم المتأهلين لتنفيذ أوامره : { فآت } يا خير الخلق { ذا القربى } أي : القرابة { حقه } أي : من البرّ والصلة ؛ لأنه أحق الناس بالبر وصلة الرحم جوداً وكرماً { والمسكين } سواء كان ذا قرابة أم لا { وابن السبيل } وهو المسافر كذلك من الصدقة ، وأمّة النبيّ صلى الله عليه وسلم تبع له في ذلك .

تنبيه : عدم ذكر بقية الأصناف يدلّ على أنّ ذلك في صدقة التطوّع ، ودخل الفقير من باب أولى لأنه أسوأ حالاً من المسكين ، فإن قيل : كيف تعلق قوله تعالى { فآت ذا القربى حقه } بما قبله حتى جيء بالفاء ؟ أجيب : بأنه لما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدّمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك ، وقد احتج أبو حنيفة بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب ، وعند الشافعي رضي الله عنه لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين . قاس سائر القرابة على ابن العمّ ؛ لأنه لا ولادة بينهم .

ولما أمر بالإيثار رغب فيه بقوله تعالى : { ذلك } أي : الإيثار العالي الرتبة { خير للذين يريدون وجه الله } أي : ذاته أو جهته وجانبه أي : يقصدون بمعروفهم إياه خالصاً لوجهه كقوله تعالى { إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى } ( الليل ، 20 ) أي : يقصدون جهة التقرّب إلى الله تعالى لا جهة أخرى ، والمعنيان متقاربان ولكن الطريقة مختلفة { وأولئك } أي : العالو الرتبة لغناهم عن كل فان { هم المفلحون } أي : الفائزون الذين لا يشوب فلاحهم شيء ، وأمّا غيرهم فخائب : أمّا من لم ينفق فواضح .