البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

ومناسبة { فآت ذا القربى } لما قبله : أنه لما ذكر أنه تعالى هو الباسط القابض ، وجعل في ذلك آية للمؤمن ، ثم نبه بالإحسان لمن به فاقة واحتياج ، لأن من الإيمان الشفقة على خلق الله ، فخاطب من بسط له الرزق بأداء حق الله من المال ، وصرفه إلى من يقرب منه من حج ، وإلى غيره من مسكين وابن سبيل .

وقال الحسن : هذا خطاب لكل سامع بصلة الرحم ، { والمسكين وابن السبيل } .

وقيل : للرسول ، عليه السلام .

وذو القربى : بنو هاشم وبنو المطلب ، يعطون حقوقهم من الغنيمة والفيء .

وقال الحسن : حق المسكين وابن السبيل من الصدقة المسماة لهما .

واحتج أبو حنيفة بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب .

أثبت تعالى لذي القربى حقاً ، وللمسكين وابن السبيل حقهما .

والسورة مكية ، فالظاهر أن الحق ليس الزكاة ، وإنما يصير حقاً بجهة الإحسان والمواساة .

وللاهتمام بذي القربى ، قدم على المسكين وابن السبيل ، لأن بره صدقة وصلة .

{ ذلك } : أي الإيتاء ، { خير } : أي يضاعف لهم الأجر في الآخرة ، وينمو ما لهم في الدنيا لوجه الله ، أي التقرب إلى رضا الله لا يضره .