فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

{ فآت ذا القربى حقه } الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته أسوته ، أو لكل مكلف له مال وسع الله به عليه وقدم الإحسان إلى القرابة لأن خير الصدقة ما كان على قريب فهو صدقة مضاعفة وصلة رحم مرغب فيها ، والمراد الإحسان إليهم بالصدقة والصلة والبر سواء كانوا في مخمصة أو لم يكونوا وقيل : فيه دليل على وجوب النفقة للمحارم ( وبه قالت الحنفية ، وعدم ذكر بقية الأصناف المستحقين للزكاة يدل على أن ذلك في صدقة التطوع ) وقاس الشافعي سائر الأقارب ما عدا الفروع والأصول على ابن العم ، لأنه لا ولادة بينهم ، ولا يصح حمل الصدقة على الواجبة وهي الزكاة لأن السورة مكية ، والزكاة ما فرضت إلا في السنة الثانية من الهجرة بالمدينة وللقريب الفقير في مال قريبه الغني حق واجب ، وبه قال مجاهد وقتادة ، قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاج وقيل : المراد بالقربى : النبي صلى الله عليه وسلم قال القرطبي : والأول أصح فإن حقهم مبين في كتاب الله عز وجل في قوله { فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } وقال الحسن : إن الأمر في إيتاء ذي القربى للندب .

{ والمسكين وابن السبيل } أي آتهما حقهما الذي يستحقانه ، ووجه تخصيص الأصناف الثلاثة بالذكر أنهم أولى من سائر الأصناف ، ولكون ذلك واجبا لهم على كل من له مال فاضل عن كفايته وكفاية من يعول ، سواء كان زكويا أو لم يكن ، سواء كان قبل الحل أو بعده ، لأن المقصود هنا الشفقة العامة وهؤلاء الثلاثة يجب الإحسان إليهم ، وإن لم يكن للإنسان مال زائد ، والفقير داخل في المسكين ، لأن من أوصى للمساكين بشيء يصرف إلى الفقراء أيضا وإذا نظرت إلى الباقين من الأصناف ، رأيتهم لا يجب صرف المال إليهم إلا على الذي وجبت الزكاة عليهم ، وأما المسكين فحاجته ليست مختصة بموضع فقدم على من حاجته مختصة بموضع دون موضع قال مقاتل : حق المسكين أن يتصدق عليه ، وحق ابن السبيل الضيافة ، وقد اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فقيل : هي منسوخة بآية المواريث ، وقيل محكمة .

{ ذلك خير للذين يريدون وجه الله } أي ذلك الإيتاء أفضل من الإمساك لمن يريد التقرب إلى الله سبحانه ، ويقصد بمعروفه إياه خالصا { وأولئك هم المفلحون } أي الفائزون بمطلوبهم حيث أنفقوا لوجه الله امتثالا لأمره .