فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (38)

لما بيّن سبحانه كيفية التعظيم لأمر الله أشار إلى ما ينبغي من مواساة القرابة ، وأهل الحاجات ممن بسط الله له في رزقه ، فقال : { فَئَاتِ ذَا القربى حَقَّهُ } والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته أسوته ، أو لكل مكلف له مال وسع الله به عليه ، وقدم الإحسان إلى القرابة لأن خير الصدقة ما كان على قريب ، فهو صدقة مضاعفة وصلة رحم مرغب فيها ، والمراد : الإحسان إليهم بالصدقة والصلة والبر { والمساكين وابن السبيل } أي وآت المسكين وابن السبيل حقهما الذي يستحقانه . ووجه تخصيص الأصناف الثلاثة بالذكر أنهم أولى من سائر الأصناف بالإحسان ، ولكون ذلك واجباً لهم على كل من له مال فاضل عن كفايته وكفاية من يعول .

وقد اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فقيل هي منسوخة بآية المواريث . وقيل : محكمة وللقريب في مال قريبه الغنيّ حقّ واحب ، وبه قال مجاهد وقتادة . قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ، ورحمه محتاج . قال مقاتل : حق المسكين أن يتصدّق عليه ، وحق ابن السبيل الضيافة . وقيل المراد بالقربى : قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال القرطبي : والأوّل أصح ، فإن حقهم مبين في كتاب الله عزّ وجلّ في قوله : { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى } [ الأنفال : 41 ] وقال الحسن : إن الأمر في إيتاء ذي القربى للندب { ذَلِكَ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله } أي ذلك الإيتاء أفضل من الإمساك لمن يريد التقرّب إلى الله سبحانه { وأولئك هُمُ المفلحون } أي الفائزون بمطلوبهم حيث أنفقوا لوجه الله امتثالاً لأمره .