في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

9

ويمضي السياق إلى لفتة أخرى في هذه الجولة الكونية المتعددة اللفتات . يمضي إلى مشهد الماء في هذه الأرض من زاوية معينة . زاوية تنويع الماء . فهذا عذب سائغ ، وهذا ملح مر . وكلاهما يفترقان ويلتقيان - بتسخيرالله - في خدمة الإنسان .

( وما يستوي البحران . . هذا عذب فرات سائغ شرابه ، وهذا ملح أجاج . . ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها . وترى الفلك فيه مواخر . لتبتغوا من فضله ، ولعلكم تشكرون ) . .

إن إرادة التنويع في خلق الماء واضحة ؛ ووراءها حكمة - فيما نعلم - ظاهرة ؛ فأما الجانب العذب السائغ اليسير التناول فنحن نعرف جانباً من حكمة الله فيما نستخدمه وننتفع به ؛ وهو قوام الحياة لكل حي . وأما الجانب الملح المر وهو البحار والمحيطات فيقول أحد العلماء في بيان التقدير العجيب في تصميم هذا الكون الضخم :

؛ وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الأرض طول الدهور - ومعظمها سام - فإن الهواء باق دون تلويث في الواقع ، ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الإنسان . وعجلة الموازنة العظيمة هي تلك الكتلة الفسيحة من الماء - أي المحيط - الذي استمدت منه الحياة والغذاء والمطر والمناخ المعتدل ، والنباتات . وأخيراً الإنسان نفسه . . " .

وهذا بعض ما تكشف لنا من حكمة الخلق والتنويع ، واضح فيه القصد والتدبير ، ومنظور فيه إلى تناسقات وموازنات يقوم بعضها على بعض في حياة هذا الكون ونظامه . ولا يصنع هذا إلا الله خالق هذا الكون وما فيه ومن فيه . فإن هذا التنسيق الدقيق لا يجيء مصادفة واتفاقاً بحال من الأحوال . والإشارة إلى اختلاف البحرين توحي بمعنى القصد في هذه التفرقة وفي كل تفرقة أخرى . وستأتي في السورة إشارات إلى نماذج منها في عالم المشاعر والاتجاهات والقيم والموازين .

ثم يلتقي البحران المختلفان في تسخيرهما للإنسان :

( ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر ) . .

واللحم الطري هو الأسماك والحيوانات البحرية على اختلافها . والحلية من اللؤلؤ والمرجان . واللؤلؤ يوجد في أنواع من القواقع يتكون في أجسامها نتيجة دخول جسم غريب كحبة رمل أو نقطة ماء ، فيفرز جسم القوقعة داخل الصدفة إفرازاً خاصاً يحيط به هذا الجسم الغريب ، كي لا يؤذي جسم القوقعة الرخو . وبعد زمن معين يتصلب هذا الإفراز ، ويتحول إلى لؤلؤة ! والمرجان نبات حيواني يعيش ويكون شعاباً مرجانية تمتد في البحر أحياناً عدة أميال ، وتتكاثر حتى تصبح خطراً على الملاحة في بعض الأحيان ؛ وخطراً على كل حي يقع في براثنها ! وهو يقطع بطرق خاصة وتتخذ منه الحلى !

والفلك تمخر البحار والأنهار - أي تشقها - بما أودع الله الأشياء في هذا الكون من خصائص . ولكثافة الماء وكثافة الأجسام التي تتكون منها السفن دخل في إمكان طفو السفن على سطح الماء وسيرها فيه . وللرياح كذلك . وللقوى التي سخرها الله للإنسان وعرفه كيف يستخدمها كقوة البخار وقوة الكهرباء وغيرهما من القوى . وكلها من تسخير الله للإنسان .

( لتبتغوا من فضله ) . . بالسفر والتجارة ، والانتفاع باللحم الطري والحلى واستخدام الماء والسفن في البحار والأنهار .

( ولعلكم تشكرون ) . . وقد يسر الله لكم أسباب الشكر ، وجعلها حاضرة بين أيديكم . ليعينكم على الأداء .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (12)

من آيات القدرة الإلهية

{ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون( 12 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذالكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ( 13 )إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير( 14 ) }

المفردات :

عذب : حلو لذيذ طعمه .

فرات : كاسر للعطش مزيل له .

سائغ : سهل انحداره لخلوه مما تعافه النفس .

ملح أجاج : مالح شديد الملوحة يحرق بملوحته .

حلية : كاللؤلؤ والمرجان .

التفسير :

{ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون }

هذا لون جديد من ألوان النعم التي أنعم الله بها على عباده فالماء العذب الفرات يشربه الإنسان فيروى ظمأه ويقطع عطشه ويسعد نفسه ويمده بالطاقة والعافية وماء البحار ملح أي : مالح شديد الملوحة ، لاذع لا يستساغ تناوله فالأول نافع في الري وإطفاء العطش والآخر غير نافع في ذلك فإن ماء البحار المالح يزيد العطشان عطشا .

قال بعض المفسرين : لعل في ذلك إشارة على أن المؤمن لا يستوي مع الكافر كما لا يستوي الماء العذب بالماء المالح ومع التباين في بعض الأمور ومنها الشرب فإن البحر والنهر يشتركان في استخراج السمك من كل منهما واستخراج الحلية أيضا مثل اللؤلؤ والمرجان .

وقد اثبت العلم وجود الحلية في الماء العذب كما أثبته الواقع ففي المياه العذبة بانجلترا واسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان وغيرها ، توجد أنواع من أصداف اللؤلؤ من الماس والياقوت كما جاء في التفسير المنتخب للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر .

وفي هذا دليل على أن الحلية تستخرج من البحر ومن النهر كما قال تعالى : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان . ( الرحمن : 22 ) .

ثم يلفت القرآن النظر على السفن التي تمخر عباب البحر وتنقل التجارة والثمار والملبوسات والمصنوعات وغيرها من بلد على آخر فقال :

{ وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون . . . } وترى الفلك على اختلاف أحجامها تشق الماء وهي تجري بكم فيه لتطلبوا من فضل الله ورزقه منتقلين فيها من بلد على بلد ومن قطر إلى قطر ولعلكم بهذا تعرفون فضل الله عليكم وعظيم نعمائه فتحمدونه وتشكرونه وتطيعوه .

وأذكر بهذه المناسبة منظر قناة السويس والسفن فيها متعددة الأحجام والأشكال والألوان تنتقل وراء بعضها تابعة للعديد من الجنسيات تنقل البضائع والسلاح والتقنية وسائر الأشياء وتتزود في الطريق بالوقود وتشتري وتبيع ويستفيد الجميع من هذه الحركة ولعلهم يشكرون الله العلي الكبير .