في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

16

بهذا ينتهي مشهد الحساب الرهيب بهوله وشدته ؛ ولكن المشهد كله لا ينتهي ، بل يكشف السياق عن جانب منه مخيف :

( يوم نقول لجهنم : هل امتلأت : وتقول : هل من مزيد ? ) .

إن المشهد كله مشهد حوار . فتعرض جهنم فيه في معرض الحوار وبهذا السؤال والجواب يتجلى مشهد عجيب رهيب . . هذا هو كل كفار عنيد . مناع للخير معتد مريب . . هؤلاء هم كثرة تقذف في جهنم تباعا ، وتتكدس ركاما . ثم تنادى جهنم : ( هل امتلأت ? )واكتفيت ! ولكنها تتلمظ وتتحرق ، وتقول في كظة الأكول النهم : ( هل من مزيد ? ! ) . . فيا للهول الرعيب !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

وقوله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ يقول : وما أنا بظلام للعبيد في يَوْمَ نَقُولُ لجَهَنّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وذلك يوم القيامة ، ويوم نقول من صلة ظلاّم . وقال تعالى ذكره لجهنم يوم القيامة : هَلِ امْتَلأْتِ ؟ لما سبق من وعده إياها بأنه يملأها من الجِنّة والناس أجمعين .

وأما قوله : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : ما من مزيد . قالوا : وإنما يقول الله لها : هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قطِ قطِ ، من تضايقها فإذا قال لها وقد صارت كذلك : هل امتلأت ؟ قالت حينئذ : هل من مزيد : أي ما من مزيد ، لشدّة امتلائها ، وتضايق بعضها إلى بعض . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال ابن عباس : إن الله الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ والنّاسِ أجَمعِينَ فلما بعث الناس وأحضروا ، وسيق أعداء الله إلى النار زمرا ، جعلوا يقتحمون في جهنم فوجا فوجا ، لا يلقى في جهنم شيء إلا ذهب فيها ، ولا يملأها شيء ، قالت : ألستَ قد أقسمت لتملأني من الجِنّة والناس أجمعين ؟ فوضع قدمه ، فقالت حين وضع قدمه فيها : قدِ قدِ ، فإني قد امتلأت ، فليس لي مزيد ، ولم يكن يملأها شيء ، حتى وَجَدَتْ مسّ ما وُضع عليها ، فتضايقت حين جَعل عليها ما جعل ، فامتلأت فما فيها موضع إبرة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قال : وعدها الله ليملأنها ، فقال : هلا وفيتكِ ؟ قالت : وهل من مَسلكٍ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ كان ابن عباس يقول : إن الله الملك ، قد سبقت منه كلمة لأَمْلأَنّ جَهَنّمَ لا يلقى فيها شيء إلا ذهب فيها ، لا يملأها شيء ، حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها ، وهي لا يملأها شيء ، أتاها الربّ فوضع قدمه عليها ، ثم قال لها : هل امتلأتِ يا جهنم ؟ فتقول : قطِ قطِ قد امتلأت ، ملأتني من الجنّ والإنس فليس فيّ مزيد قال ابن عباس : ولم يكن يملأها شيء حتى وجدت مسّ قدم الله تعالى ذكره ، فتضايقت ، فما فيها موضع إبرة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : زدني ، إنما هو هل من مزيد ، بمعنى الاستزادة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن ثابت ، عن أنس ، قال : يلقى في جهنم وتقول : هل من مزيد ثلاثا ، حتى يضع قدمه فيها ، فينزوي بعضها إلى بعض ، فتقول : قطِ قطِ ، ثلاثا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ لأنها قد امتلأت ، وهل من مزيد : هل بقي أحد ؟ قال : هذان الوجهان في هذا ، والله أعلم ، قال : قالوا هذا وهذا .

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو بمعنى الاستزادة ، هل من شيء أزداده ؟

وإنما قلنا ذلك أولى القولين بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما :

حدثني أحمد بن المقدام العجلي ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاويّ ، قال : حدثنا أيوب ، عن محمد ، عن أبي هُريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ ، لَمْ يَظْلِمِ اللّهُ أحَدا مِنْ خَلْقِهِ شَيْئا ، وَيُلْقِي فِي النّارِ ، تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حتى يَضَعَ عَلَيْها قَدَمَهُ ، فَهُنالكَ يَمْلأُها ، وَيُزْوَي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وَتَقُولُ : قَطْ قَطْ » .

حدثنا أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يحدّث عن قتادة ، عن أنس ، قال : ما تزال جهنم تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع الله عليها قدمه ، فتقول : قدِ قدِ ، وما يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله خلقا ، فيُسكنه فضول الجنة .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب وهشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هُريرة ، قال : اختصمت الجنة والنار ، فقالت الجنة : ما لي إنما يدخلني فقراء الناس وسقطهم وقالت النار : ما لي إنما يدخلني الجبارون والمتكبرون ، فقال : أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ، وأنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكلّ واحدة منكما ملؤها . فأما الجنة فإن الله ينشىء لها من خلقه ما شاء . وأما النار فيُلقون فيها وتقول : هل من مزيد ؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيد ، حتى يضع فيها قدمه ، فهناك تملأ ، ويزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط ، قط .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ثور ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «احْتَجّتِ الجَنّةُ والنّارُ ، فَقالَتِ الجَنّةُ : مالي لا يَدْخُلُنِي إلا فُقَرَاءُ النّاسِ ؟ وَقالتِ النّارُ : مالي لا يَدْخُلُنِي إلاّ الجَبّارُونَ والمُتَكَبّرُونَ ؟ فَقالَ للنّارِ : أنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ وَقالَ للْجَنّةِ : أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ ، وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها فأمّا الجَنّةُ فإنّ الله عَزّ وَجَلّ يُنْشىءُ لَهَا ما شاء وأمّا النّارَ فَيُلْقُوْنَ فِيها وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ، حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها ، هُنالكَ تَمْتَلِىء ، وَيَنزْوِي بَعْضُها إلى بَعْضٍ ، وَتَقُولُ : قَطْ ، قَطْ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تَزَالُ جَهَنّمُ يُلْقَى فِيها وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزيدٍ حتى يَضَعَ رَبّ العالَمِينَ قَدَمَهُ ، فيَنْزَوي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وَتَقُولُ : قَدْ ، قَدْ ، بِعِزّتِك وكَرَمِكَ ، وَلا يَزَالُ فِي الجَنّةِ فَضْلٌ حتى يُنْشىءَ اللّهُ لَهَا خَلْقا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنّةِ » .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا أبان العطار ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «لا تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتى يَضَعَ رَبّ العالَمِينَ فِيها قَدَمَه ، فَيَنْزَوِي بَعْضُها إلى بَعْض ، فَتَقُولُ : بِعِزّتِكَ قَطْ ، قَطْ وَما يَزَالُ فِي الجَنّةِ فَضْلٌ حتى يُنْشِىءَ اللّهُ خَلْقا فَيُسْكِنَه في فَضْلِ الجَنّةِ » .

قال : ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، قال : ما تزال جهنم تقول : هل من مزيد ، فذكر نحوه غير أنه قال : أو كما قال .

حدثنا زياد بن أيوب ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «احْتَجّتِ الجَنّةُ والنّارُ ، فَقالَتِ النّارُ : يَدْخُلُنِي الجَبّارُونَ والمُتَكَبّرُونَ وَقالَتِ الجَنّةُ : يَدْخُلُنِي الفُقَرَاءُ وَالمَساكِينُ فأَوْحَى اللّهُ عَزّ وَجَلّ إلى الجَنّة : أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ وأَوْحَى إلى النّارِ : أنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَن أشاءُ ، وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها فأمّا النّارُ فَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ؟ حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها ، فتَقُولُ : قَطْ قَطْ » . ففي قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لا تَزَالُ جَهَنّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ » دليل واضح على أن ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النفي ، لأن قوله : «لا تزال » دليل على اتصال قول بعد قول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

وقوله تعالى : { يوم يقول } يجوز أن يعمل في الظرف قوله : { بظلام } ويجوز أن يعمل فيه فعل مضمر .

وقرأ جمهور من القراء وحفص عن عاصم : «نقول » بالنون ، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وأبي جعفر والأعمش ورجحها أبو علي بما تقدم من قوله : «قدمت وما أنا » وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر : «يقول » على معنى يقول الله ، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأهل المدينة ، وقرأ ابن مسعود والحسن والأعمش أيضاً : «يقال » على بناء الفعل للمفعول .

وقوله : { هل امتلأت } تقرير وتوقيف ، واختلف الناس هل وقع هذا التقرير ؟ وهي قد امتلأت أو هي لم تمتلئ فقال بكل وجه جماعة من المتأولين وبحسب ذلك تأولوا قولها : { هل من مزيد } . فمن قال إنها كانت ملأى جعل قولها : { هل من مزيد } على معنى التقرير ونفي المزيد ، أي هل عندي موضع يزاد فيه شيء ونحو هذا التأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم : «وهل ترك لنا عقيل منزلاً »{[10543]} وهو تأويل الحسن وعمرو وواصل ، ومن قال : إنها كانت غير ملأى جعل قولها { هل من مزيد } على معنى السؤال والرغبة في الزيادة . قال الرماني وقيل المعنى : وتقول خزنتها ، والقول إنها القائلة أظهر .

واختلف الناس أيضاً في قول جهنم هل هو حقيقة أو مجاز ؟ أي حالها حال من لو نطق لقال كذا وكذا فيجري هذا مجرى :

شكا إلي جملي طول السرى{[10544]} ،

ومجرى قول ذي الرمة :

تكلمني أحجاره وملاعبه{[10545]} .

والذي يترجح في قول جهنم : { هل من مزيد } أنها حقيقة وأنها قالت ذلك وهي غير ملأى وهو قول أنس بن مالك ، وبين ذلك الحديث الصحيح المتواتر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «يقول الله لجهنم هل امتلأت ؟ وتقول : { هل من مزيد } حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول قط قط ، وينزوي بعضها إلى بعض »{[10546]} واضطرب الناس في معنى هذا الحديث ، وذهبت جماعة من المتكلمين ، إلى أن الجبار اسم جنس ، وأنه يريد المتجبرين من بني آدم ، وروي أن الله تعالى يعد من الجبابرة طائفة يملأ بهم جهنم آخراً . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم :

«إن جلدة الكافر يصير في غلظها أربعون ذراعاً » ويعظم بدنه على هذه النسبة{[10547]} ، وهذا كله من ملء جهنم وذهب الجمهور إلى أن الجبار اسم الله تعالى ، وهذا هو الصحيح ، فإن في الحديث الصحيح : «فيضع رب العالمين فيها قدمه »{[10548]} وتأويل هذا : ان القدم لها من خلقه وجعلهم في علمه ساكنيها ، ومنه قول الله تعالى : { وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم }{[10549]} [ يونس : 2 ] فالقدم هنا ما قدم من شيء ومنه قول الشاعر [ الوضاح الخصي ] : [ المنسرح ]

صل لربك واتخذ قدماً . . . ينجيك يوم العثار والزلل{[10550]}

ومنه قول العجاج : [ الرمل ]

وسنى الملك لملك ذي قدم . . . {[10551]}

أي ذي شرف متقدم ، وهذا التأويل مروي عن ابن المبارك{[10552]} وعن النضر بن شميل{[10553]} ، وهو قول الأصوليين . وفي كتاب مسلم بن الحجاج : ( فيضع الجبار فيها رجله ){[10554]} ، ومعناه : الجمع الذي أعد لها يقال للجمع الكثير من الناس : رجل تشبيهاً برجل الجراد ، قال الشاعر :

فمر بها رجل من الناس وانزوى . . . إليها من الحي اليماني أرجل{[10555]} .

وملاك النظر في هذا الحديث : أن الجارحة والتشبيه وما جرى مجراه منتف كل ذلك فلم يبق إلا إخراج ألفاظ على هذه الوجوه السابقة في كلام العرب .


[10543]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبو داود، عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، قال: أصبت شارفا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغنم يوم بدر، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا أخرى، فأنختها يوما عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليها إذخرا لأبيعه، ومعي صائغ من بني قينقاع لأستعين به على وليمة فاطمة، وحمزة بن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت، فثار إليهما حمزة بالسيف، فجبّ أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما، قلت لابن شهاب: ومن السنام؟-وابن شهاب أحد الرواة-قال: جبّ أسنمتهما فذهب بهما، قال: فنظرت إلى منظر أفظعني، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبر، فخرج ومعه زيد، فانطلق معه، فدخل على حمزة فتغيظ عليه، فرجع حمزة بصره فقال: هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقهقر حتى خرج عنهم، وذلك قبل تحريم الخمر.اهـ. وفي رواية لمسلم أن حمزة كان يشرب ومعه قينة تغنيه، والشارف: الناقة المُسنة، وجمعها: شرف-بضم الشين وسكون الراء، والإذخر: حشيش طيب الريح، وله ثمرة تُطحن فتدخل في الطيب، وجبّ: قطع، وبقر: شقّ، وتغيظ: أظهر الغيظ والغضب.
[10544]:هذا البيت من الرجز في اللسان غير منسوب، وذكر معه بيتا آخر، قال: يقال للبعير إذا أتعبه السير فمد عنقه وكثر أنينه: قد شكا، ومنه قول الراجز: شكا إلي جملي طول السرى صبرا جُميلي فكلانا مبتلى والسرى: السير ليلا، والابتلاء: المحنة تنزل بالمرء ليختبر بها، او الغم والحزن والجهد الشديد في الأمر.
[10545]:هذا عجز بيت قاله ذو الرمة، وهو مع بيت قبله: وقفت على رسم لمية ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه ومعنى أسقيه: أدعو له بالسقيا، وأبثه: أشكو إليه، والبيت كالشاهد السابق يدل على أن العرب قد تنسب القول إلى الحيوان والجماد تجوزا.
[10546]:هذا جزء من حديث أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن حرير، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة)، واللفظ لمسلم.
[10547]:رواه مسلم في "الجنة"، والترمذي في "جهنم"، وأحمد في مسنده(2-26)، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(يعظم أهل النار في النار حتى إن بين شحمة أُذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذراعا، وإن ضرسه مثل أحد).
[10548]:جاء التعبير بـ"رب العالمين" في رواية لمسلم في الحديث الذي خرجناه في الهامش قبل السابق على هذا.
[10549]:من الآية(2) من سورة (يونس)، وقد اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى:{قدم صدق} وذكر أقوالهم ابن عطية في الجزء السابع ص96 وما بعدها، والمختار أن "قدم الصدق" هو ما قدموه من أعمال، وهو الذي اختاره الطبري.
[10550]:قال هذا البيت الوضاح(جَذيمة بن مالك بن فهم التنوخي)، والرواية في القرطبي "صل لذي العرش"، والشاهد أن"قدما" هنا بمعنى ما يُقدمه الإنسان من عمل، يقول: اعبد الله واعمل الأعمال الصالحة فتنجو يوم القيامة. ورُوي عن أحمد بن يحيى أن القَدَم هي كل ما قدمت من خير، ذكر ذلك صاحب اللسان.
[10551]:هذا عجز بيت، وقد ورد البيت كاملا في القرطبي مع اختلاف في الألفاظ قال: زلّ بنو العوام عن آل الحكم وتركوا المُلك لِملك ذي قدم والشاهد هنا أن قوله:"ذي قدم" معناه: ذو سابقة في الأفعال، أو ذي شرف متقدم كما قال ابن عطية.
[10552]:هو عبد الله بن المبارك المروزي، مولى بني حنظلة، ثقة، ثبت، فقيه عالم، جواد مجاهد، جُمعت فيه خصال الخير، مات سنة إحدى وثمانين، وله ثلاث وستون سنة.(تقريب التهذيب).
[10553]:هو النضر بن شميل المازني، أبو الحسن النحوي، نزيل مرو، ثقة ثبت، مات سنة أربع ومائتين، وله اثنتان وثمانون سنة، (تقريب التهذيب).
[10554]:جاء ذلك في إحدى الروايات التي رواها مسلم رحمه الله.
[10555]:هذا البيت شاهد على أن(الرِّجل) بكسر الراء وسكون الجيم هو الطائفة من الشيء، أو الجمع من الشيء، وقد استشهد به القرطبي، وذكره مع بيت آخر غير منسوبين، قال: يقال رأيت رِجلا من الناس ورِجلا من الجراد، قال الشاعر: فمر بنا رِجل من الناس وانزوى إليهم من الحي اليمانين أرجل قبائل من لخم وعُكل وحمير على ابني نزار بالعداوة أحفل وفي اللسان:"والرِّجل: الطائفة من الشيء، أنثى، وخص بعضهم به القطعة العظيمة من الجراد، والجمع أرجال...ومنه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنه دخل مكة رِجل من جراد، فجعل غلمان مكة يأخذون منه، فقال: أما إنهم لو علموا لم يأخذوا منه، كره ذلك في الحرم لأنه صيد".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

ظرف متعلق ب { قال لا تختصموا لدى } [ ق : 28 ] . والتقدير : قال لهم في ذلك القول يوم يقول قولاً آخر لجهنم { هل امتلأت } . ومناسبته تعليقه به أن هذا القول لجهنم مقصود به ترويع المدفوعين إلى جهنم أن لا يطمعوا في أن كثرتهم يضيق بها سعة جهنم فيطمع بعضهم أن يكون ممن لا يوجد له مكان فيها ، فحكاه الله في القرآن عبرة لمن يسمعه من المشركين وتعليماً لأهل القرآن المؤمنين ولذلك استوت قراءة { يقول } بالياء ، وهي لنافع وأبي بكر عن عاصم جريا على مقتضى ظاهر ما سبقه من قوله : { قال لا تختصموا لدى } . وقراءة الباقين بالنون على الالتفات بل هو التفات تابع لتبديل طريق الإخبار من الحديث عن غائب إلى خطاب حاضر .

والقول الأول حقيقي وهو كلام يصدر من جانب الله بمحض خلقه دون واسطة . فلذلك أسند إلى الله كما يقال القرآن كلام الله .

والاستفهام في { هل امتلأت } مستعمل في تنبيه أهل العذاب إلى هذا السؤال على وجه التعريض .

وأما القول لجهنم فيجوز أن يكون حقيقة بأن يخلق الله في أصوات لهيبها أصواتاً ذات حروف يلتئم منها كلام ، ويجوز أن يكون مجازاً عن دلالة حالها على أنها تسع ما يلقى فيها من أهل العذاب بأن يكشف باطنها للمعروضين عليها حتى يروا سعتها كقول الراجز :

امتلا الحوض وقال : قطني

والاستفهام في { هل من مزيد } مستعمل للتشويق والتمنّي .

وفيه دلالة على أن الموجودات مشوقة إلى الإيفاء بما خلقت له كما قال الشيطان { قال فبما أغويتني لأقعُدَنّ لهم صراطك المستقيم } [ الأعراف : 16 ] . وفيه دلالة على إظهار الامتثال لما خلقها الله لأجله ، ولأنها لا تتلكّأ ولا تتعلل في أدائه على أكمل حال في بابه .

والمزيد : مصدر ميمي ، وهو الزيادة مثل المجيد والحَمِيد . ويجوز أن يكون اسم مفعول من زاد ، أي هل من جماعة آخرين يُلقون فيَّ .