محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

{ يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد 30 } .

{ يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد } قال ابن جرير :{[6771]} فيه لأهل التأويل قولان :

الأول – أن معناه : ما من مزيد . فعن مجاهد قال : وعدها الله ليملأنها فقال : هلا وفّيتكِ ؟ قال : وهل من مسلك ؟ !

الثاني – معناه : زدني .

أي : فالاستفهام على الأول إنكاريّ . معناه النفي ، وأيد{[6772]} بآية { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } والقرآن يفسر بعضه بعضا . وعلى الثاني تقريريّ ، دلالة على سعتها ، بحيث يدخلها من يدخلها ، وفيها فراغ وخلوّ ، كأنه يطلب الزيادة .

فإن قيل : الوجه الثاني ، وهو كونها فيها فراغ ، مناف لصريح النظم من قوله : { لأملأن جهنم . . . } الآية . قلت لا منافاة بينهما كما توهم ، لأن الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها ، وإن كان فيها فراغ كثير . كما يقال : إن البلدة ممتلئة بأهلها ، ليس فيها دار خالية ، مع ما بينها من الأبنية والأفضية . أو هذا باعتبار حالين . فالفراغ في أول دخول أهلها فيها ، ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئ .

تنبيه :

ذهب جماعة إلى أن المقاولة في الآية مجاز على طريق الاستعارة التمثيلية ، وأن جهنم لشدة توقدها وزفيرها . وتهافت الكفرة والعصاة ، وقذفهم فيها ، كأنها طالبة للزيادة .

وآخرون إلى أن ذلك حقيقة .

/ قال الناصر في ( الانتصاف ( : إنا نعتقد أن سؤال جهنم وجوابها حقيقة ، وأن الله تعالى يخلق فيها الإدراك بذلك بشرطه . وكيف نفرض ، وقد وردت الأخبار وتظاهرت على ذلك ؟ منها هذا ، ومنها لجاج الجنة والنار ، ومنها اشتكاؤها إلى ربها ، فأذن لها في نفَسين . وهذه وإن لم تكن نصوصا ، فظواهر يجب حملها على حقائقها ، لأنا متعبدون باعتقاد الظاهر ، ما لم يمنع مانع ، ولا مانع ههنا ، فإن القدرة صالحة ، والعقل يجوّز ، والظواهر قاضية بوقوع ما جوّزه العقل . وقد وقع مثل هذا قطعا في الدنيا ، كتسليم الشجر ، وتسبيح الحصى في كف النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي يد أصحابه . ولو فتح باب المجاز والعدول عن الظاهر في تفاصيل المقالة ، لا تسع الخرق ، وضل كثير من الخلق عن الحق . وليس هذا كالظواهر الواردة في الإلهيات مما لم يجوز العقل اعتقاد ظاهرها ، فإن العدول فيها عن ظاهر الكلام بضرورة الانقياد إلى أدلة العقل المرشدة إلى المعتقد الحق . انتهى .

قال الشهاب : وهو كلام حسن ، وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا . انتهى .

ولا تنس ما قلناه مرارا من أن اللغة لا تنحصر في الحقيقة ، وأن أكثر اللغة مجاز لا حقيقة ، كما أوضحه السيوطيّ في ( المزهر ) والجرجانيّ في ( أسرار البلاغة ) . وفي شواهد العرب الكثيرة ما يؤيد المجاز ، ولا محذور فيه ، عدا عن كونه أبلغ ، كما قرروه . وبالجملة ، فالنظم الكريم يحتملها – والله أعلم- .

و { يوم } منصوب ب { ظلاّم } أو بمضمر ، نحو : اذكر وأنذر . و( المزيد ) إما مصدر كالمحيد ، أو اسم مفعول كالمبيع .


[6771]:انظر الصفحة رقم 169 من الجزء السادس والعشرين)طبعة الحلبي الثانية(.
[6772]:[11/ هود 119] و[32/السجدة/13].