{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ } قرأ قتادة ، والأعرج ، وشيبة ، ونافع ( نقول ) ( بالتاء ) ، ومثله روى أبو بكر عن عاصم ، اعتباراً بقوله ، قال : لا تختصموا لديّ ، وقرأ الحسن يوم ( يقال ) وقرأ الباقون يوم ( نقول ) ( بالنون ) ( لجهنّم ) { هَلِ امْتَلأَتِ } لما سبق من وعده إيّاها أنّه يملأها
{ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] وهذا السؤال منه على طريق التصديق بخبره ، والتحقيق لوعده والتقريع لأهل عذابه ، والتنبيه لجميع عباده .
{ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } يحتمل أن يكون جحداً مجازه ما من مزيد ، ويحتمل أن يكون استفهاماً ، بمعنى هل من مزيد ، فأزاده وإنّما صلح { هَلْ } للوجهين جميعاً ، لأنّ في الاستفهام ضرباً من الجحد ، وطرفاً من النفي ، قال ابن عبّاس : إنّ الله سبحانه وتعالى ، قد سبقت كلمته
{ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ، السجدة : 13 ] فلمّا بعث للنّاس ، وسبق أعداء الله إلى النار زمراً ، جعلوا يقحمون في جهنّم فوجاً فوجاً ، لا يلقى في جهنّم شيء إلاّ ذهب فيها ، ولا يملأها شيء .
فقالت : ألست قد أقمت لتملأني ؟ فوضع قدمه عليها ، ثمّ يقول لها : هل امتلأت ؟ فتقول : قط قط ، قد امتلأت ، فليس من مزيد . قال ابن عبّاس : ولم يكن يملأها شيء حتّى مس قدم الله فتضايقت فما فيها موضع إبرة ، ودليل هذا التأويل ما أنبأني عقيل ، قال : أخبرنا المعافى ، قال : أخبرنا ابن جرير ، قال : حدّثنا بشر ، قال : حدّثنا يزيد ، قال : حدّثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال جهنّم يلقى فيها ، وتقول : هل من مزيد ؟ حتّى يضع ربّ العالمين فيها قدمه ، فتتزاوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قد قد بعزّتك ، وكرمك ، ولا يزال في الجنّة فضل ، حتّى ينشئ الله سبحانه لها خلقاً ، فيسكنهم فضل الجنّة " .
وأخبرنا ابن حمدون ، قال : أخبرنا ابن الشرقي ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى ، وعبد الرّحمن بن بشر ، وأحمد بن يوسف ، قالوا : حدّثنا عبد الرزّاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن همام ابن منبه ، قال : هذا ما حدّثنا أبو هريرة ، عن محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحاجت الجنّة والنّار ، فقالت النّار : أُوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين ، وقالت الجنّة : فما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم ؟ فقال الله سبحانه للجنّه : إنّما أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنّار : إنّما أنت عذابي ، أُعذّب بك من أشاء من عبادي ، ولكلّ واحدة منكما ملأها ، فأمّا النار ، فإنّهم يلقون فيها وتقول : هل من مزيد ؟ فلا تمتلئ حتّى يضع الله سبحانه وتعالى فيها رجله فتقول : قط قط ، فهناك تمتلأ وتزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحداً ، وأمّا الجنّة ، فإنّ الله عزّ وجلّ ينشئ لها خلقاً " .
قلت : هذان الحديثان في ذكر القدم ، والرجل ، صحيحان مشهوران ، ولهما طرق من حديث أبي هريرة ، وأنس ، تركتُ ذكرهما كراهة الإطالة ، ومعنى القدم المذكور في هذا الحديث المأثور قوم يقدمهم الله إلى جهنّم ، يملأها بهم ، قد سبق في عمله إنّهم صائرون إليها وخالدون فيها ، وقال النضر بن شميل : سألت الخليل بن أحمد عن معنى هذا الحديث ، فقال : هم قوم قدمهم الله للنار ، وقال عبد الرّحمن بن المبارك : هم مَن قد سبق في علمه أنّه من أهل النّار . وكلّ ما يقدم ، فهو قدم . قال الله سبحانه : إنّ لهم قدم صدق عند ربّهم ، يعني أعمال صالحة قدّموها ، وقال الشاعر يذمّ رجلا :
قعدت به قدم الفجار وغودرت *** وعود ربّ أسبابه من فتنة من خالق
على انّ الأوزاعي روى هذا الحديث عن حسّان بن عطية ، حتى يضع الجبّار قِدمه بكسر القاف ، وكذلك روى وهب بن منبه ، وقال : إنّ الله سبحانه كان قد خلق قوماً قبل آدم ، يقال لهم : القدم ، رؤوسهم كرؤوس الكلاب والذباب ، وسائر أعضائهم كأعضاء بني آدم ، فعصوا ربّهم ، وأهلكهم الله ، يملأ الله بهم جهنّم حين تستزيد . وأمّا الرِجل فهو العدد الكبير من الناس وغيرهم .
يقال : رأيت رِجلاً من الناس ، ومرّ بنا رجل من جياد ، وقال الأصمعي : سمعت بعض الأعراب تقول : ما هلك على رِجل نبيّ من الأنبياء ما هلك على رِجل موسى ، يعني القبط ، وقال الشاعر :
فمرّ بنا رِجل من النّاس وانزوى *** إليهم من الحيّ اليمانين أرجل
قبائل من لخم وحمير *** على ابني نزار بالعداوة أحفل
ويصدق هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في سياق الحديث : " ولا يظلم الله من خلقه أحداً "
، فدلَّ أنّ الموضوع الملقى في النّار خلق من خلقه ، وقال بعضهم : أراد قَدم بعض ملائكته ورِجله ، وأضاف إليه كقوله : وسئل القرية . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.