السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

{ يوم نقول } أي على مالنا من العظمة { لجهنم } ولم يقل ما أنا بظلام في جميع الأزمان وخصص بالعبيد ولم يطلق فلذلك خصص النفي بنوع من أنواع الظلم ولم يطلق ولم يلزم منه أن يكون ظالماً في غير ذلك الوقت لأنّ التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه لأنه نفي كونه ظلاماً ولم يلزم منه كونه ظالماً ونفي كونه ظلاماً للعبيد ولم يلزم منه كونه ظلاماً لغيرهم .

تنبيه : يحتمل أن يكون المراد بالعبيد الكفار كقوله تعالى : { يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول } [ يس : 30 ] الآية والمعنى أعذبهم وما أنا بظلام لهم ويحتمل أن يكون المراد منه المؤمنين .

والمعنى أنّ الله تعالى يقول : لو بدّلت قولي ورحمت الكافر لكنت في تكليف العباد ظالماً لعبادي المؤمنين لأني منعتهم من الشهوات لأجل هذا اليوم فلو كان ينال من لم يأت بما أتى به المؤمن ما يناله المؤمن لكان إتيان المؤمن بما أتى به من الإيمان والعبادة غير مفيد وهذا معنى قوله تعالى : { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } [ الحشر : 20 ] ويحتمل أن يكون المراد التعميم وهذا أظهر . وقوله تعالى لجهنم أي التي هي دار العذاب مع الكراهة والعبوسة والتجهم { هل امتلأت } استفهام تحقيق لوعده عليها وهو قوله تعالى { لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } [ هود : 119 ] { وتقول } بصورة الاستفهام كالسؤال { هل من مزيد } أي : قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلئ فهو استفهام إنكار . وقيل بمعنى الاستزادة رواه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله تعالى هل امتلأت قبل دخول جميع أهلها فيها .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما «أنّ الله تعالى سبقت كلمته لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها فتقول ألست قد أقسمت لتملأني فيضع قدمه عليها فيقول هل امتلأت فتقول هل من مزيد قط قط قد امتلأت وليس فيّ مزيد » وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العرش وفي رواية رب العزة فيها قدمه فيزوى بعضها إلى بعض وتقول : قط قط بعد ذلك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله تعالى لها خلقاً فيسكنهم فضول الجنة » ولأبي هريرة رضي الله عنه نحوه ولا يظلم الله تعالى من خلقه أحداً .

تنبيه : هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وللعلماء فيه وفي أمثاله مذهبان :

أحدهما : وهو مذهب جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لا يتكلم في تأويلها بل نفوّض بأنها حق على ما أراد الله ورسوله ونجريها على ظاهرها أولها معنىً يليق بها وظاهرها غير مراد .

المذهب الثاني : وهو قول جمهور المتكلمين أنها تؤوّل بحسب ما يليق بها فعلى هذا اختلفوا في تأويل الحديث فقيل المراد بالقدم التقدّم وهو شائع في اللغة والمعنى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب . وقيل : المراد به قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم . وقيل : يحتمل أن في المخلوقات من يسمى بهذه التسمية وخلقوا لها . قال القاضي عياض أظهر التأويلات أنهم استحقوها وخلقوا لها .

قال المتكلمون : ولا بدّ من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل العقلي القطعي على استحالة الجارحة على الله تعالى وقولها قط قط أي حسبي حسبي قد اكتفيت وفيها ثلاث لغات إسكان الطاء وكسرها منوّنة وغير منوّنة .