تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

الآية 30 وقوله تعالى : { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد } هذا يخرّج على وجهين :

أحدهما : على تحقيق القول من الله تعالى : { لجهنم هل امتلأت } وعلى تحقيق القول من جهنم والإجابة له : { هل من مزيد } وذلك جائز أن يُنطق الله تعالى جهنم حتى تجيب له بما ذكر : { هل من مزيد } على ما ذكرنا من شهادة الجوارح عليهم والنّطق منها للكل حتى أجابت الجوارح لهم لمّا قالوا : { لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } [ فصلت : 21 ] .

وعلى ذلك ما ذكرنا في قوله ، جلّ ، وعلا : { يا جبال أوّبِي معه والطير } [ سبأ : 10 ] ونحو ذلك ، ومثل هذا غير مستنكر في العقول على تقدير أحداث الحياة منها التي هي شرط النطق عن علم ، والله أعلم .

والثاني على التمثيل لا على تحقيق القول : { هل امتلأت } وعلى تحقيق الإجابة منها ، فنقول : { هل من مزيد } ولكن على التمثيل لوجهين :

أحدهما : أي أن جهنم لو كانت بحيث تنطق ، وتسمع ، وتعلم ؛ لو قلت لها : { هل امتلأت وتقول هل من مزيد } يُخبر عن انقياد المخلوقات له والطاعة الإجابة ، وهو ما ذكرنا في قوله عز وجل : { وغرّتهم الحياة الدنيا } [ الأنعام : 70و . . . ] لا يكون من الدنيا حقيقة التّغرير قولا ولا فعلا . ولكن معناه أنها بحال من التزيين وما فيها من الشهوات لو كان لها تمييز وعقل لغرّتهم ، والله أعلم .

والثاني : وصف لها بالعِظم والسعة ، وإخبار عن أنها تحتمل المزيد ، وإن جُمع من الكفرة ما لا يُحصى على التمثيل . وهو كقوله تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعًا من خشية الله } [ الحشر : 21 ] وكذلك قوله ، جل ، وعلا : { وغرّتهم الحياة الدنيا } وصف لها بالتزيُّن والحسن الظاهر ما [ لو ]{[19800]} لم يتأمّل الناظر فيها العاقبة لاغترّ بها من حسنها وزينتها . فعلى ذلك هذا ، والله اعلم .

ثم قوله تعالى : { هل من مزيد } يخرّج على وجهين :

أحدهما : هل بقي من أحد يُزاد فيّ ؟ فإني قد امتلأت ، وليس فيّ سعة تحتمل غيره{[19801]} .

والثاني : { هل من مزيد } هل فيّ سعة عظيمة ؟ فهل من زيادة خلقٍ أمتلئُ بها ، لأن الله تعالى وعد أن يملأ جهنم بقوله : { لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين } [ هود : 119 والسجدة : 13 ] فتسأل المزيد من ربها لتُملأ ، والله أعلم بذلك .

وقال أهل التأويل : إنها تسأل الزيادة حتى يضع قدمه فيها ، فتضيق بأهلها حتى لا يبقى فيها مدخل رجل واحد ، ورَوَوا{[19802]} خبرا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .

وإنه فاسد ، وقول بالتشبيه ، وقد قامت الدلائل العقلية على إبطال التشبيه ، فكل خبر ورد مخالفا للدلائل العقلية يجب ردّه لأنه{[19803]} مخالف لنص التنزيل ، وهو قوله عز وجل : { ليس كمثل شيءٌ } [ الشورى : 11 ] .

ثم هذا القول على قول المشبّهة على ما توهّموا مُخالف للكتاب لأن الله عز وجل قال : { لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين } وعندهم لا تمتلئ بهم ما لم يضع الرحمة قدمه فيها .

ثم ذكر البلخيّ أن مدار ما ذكروا أن مدار ما ذكروا من الحديث على حمّاد بن سَلَمة ، وكان خرِفًا منفّدًا في ذلك الوقت ، لم يجُز أن يُؤخذ منه مع ما رُوي في خبر أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يأتي الله ببشرٍ ، فيضع في النار حتى تمتلئ ) فهذا يحتمل إلا ما رووا ، والله الموفّق .


[19800]:ساقطة من الأصل وم.
[19801]:في الأصل وم: غيرها.
[19802]:في الأصل وم: وروي.
[19803]:في الأصل وم: و.